شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فضل بني هاشم على بني عبد شمس

صفحة 202 - الجزء 15

  ما أكرمه الله به من النبوة حتى نقتصر على أخلاقه ومذاهبه وشيمه لما وفى به بشر ولا عدله شيء ولو شئنا أن نذكر ما أعطى الله به عبد المطلب من تفجر العيون وينابيع الماء من تحت كلكل بعيره وأخفافه بالأرض القسي وبما أعطي من المساهمة وعند المقارعة من الأمور العجيبة والخصال البائنة لقلنا ولكنا أحببنا ألا نحتج عليكم إلا بالموجود في القرآن الحكيم والمشهور في الشعر القديم الظاهر على ألسنة الخاصة والعامة ورواة الأخبار وحمال الآثار.

  قال ومما هو مذكور في القرآن عدا حديث الفيل قوله تعالى {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ١}⁣[قريش: ١] وقد اجتمعت الرواة على أن أول من أخذ الإيلاف لقريش هاشم بن عبد مناف فلما مات قام أخوه المطلب مقامه فلما مات قام عبد شمس مقامه فلما مات قام نوفل مقامه وكان أصغرهم والإيلاف هو أن هاشما كان رجلا كثير السفر والتجارة فكان يسافر في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام وشرك في تجارته رؤساء القبائل من العرب ومن ملوك اليمن والشام نحو العباهلة باليمن واليكسوم من بلاد الحبشة ونحو ملوك الروم بالشام فجعل لهم معه ربحا فيما يربح وساق لهم إبلا مع إبله فكفاهم مئونة الأسفار على أن يكفوه مئونة الأعداء في طريقه ومنصرفه فكان في ذلك صلاح عام للفريقين وكان المقيم رابحا والمسافر محفوظا فأخصبت قريش بذلك وحملت معه أموالها وأتاها الخير من البلاد السافلة والعالية وحسنت حالها وطاب عيشها قال وقد ذكر حديث الإيلاف الحارث بن الحنش السلمي وهو خال هاشم والمطلب وعبد شمس فقال:

  إن أخي هاشما ... ليس أخا واحد

  الآخذ الإيلاف و ... القائم للقاعد

  قال أبو عثمان وقيل إن تفسير قوله تعالى {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ٤}⁣[قريش: ٤] هو خوف من كان هؤلاء الإخوة يمرون به من القبائل والأعداء وهم مغتربون ومعهم