شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ذكر بعض وصايا العرب

صفحة 125 - الجزء 17

  للدين بكاؤه وإليه دعاؤه ثم هو أوحد للتابعين والمصدقين والمناصحين والمؤازرين لأن تعصب الناس موكل بالملوك ورحمتهم ومحبتهم موكلة بالضعفاء المغلوبين فاحذروا هذا المعنى كل الحذر واعلموا أنه ليس ينبغي للملك أن يعرف للعباد والنساك بأن يكونوا أولى بالدين منه ولا أحدب عليه ولا أغضب له ولا ينبغي له أن يخلي النساك والعباد من الأمر والنهي في نسكهم ودينهم فإن خروج النساك وغيرهم من الأمر والنهي عيب على الملوك وعلى المملكة وثلمة بينة الضرر على الملك وعلى من بعده.

  واعلموا أنه قد مضى قبلنا من أسلافنا ملوك كان الملك منهم يتعهد الحماية بالتفتيش والجماعة بالتفضيل والفراغ بالاشتغال كتعهده جسده بقص فضول الشعر والظفر وغسل الدرن والغمر ومداواة ما ظهر من الأدواء وما بطن وقد كان من أولئك الملوك من صحة ملكه أحب إليه من صحة جسده فتتابعت تلك الأملاك بذلك كأنهم ملك واحد وكان أرواحهم روح واحدة يمكن أولهم لآخرهم ويصدق آخرهم أولهم يجتمع أبناء أسلافهم ومواريث آرائهم وثمرات عقولهم عند الباقي منهم بعدهم وكأنهم جلوس معه يحدثونه ويشاورونه حتى كأن على رأس دارا بن دارا ما كان من غلبة الإسكندر الرومي على ما غلب عليه من ملكه وكان إفساده أمرنا وتفرقته جماعتنا وتخريبه عمران مملكتنا أبلغ له فيما أراد من سفك دمائنا فلما أذن الله ø في جمع مملكتنا وإعادة أمرنا كان من بعثه إيانا ما كان وبالاعتبار يتقى العثار والتجارب الماضية دستور يرجع إليه من الحوادث الآتية.

  واعلموا أن طباع الملوك على غير طباع الرعية والسوقة فإن الملك يطيف به العز والأمن والسرور والقدرة على ما يريد والأنفة والجرأة والعبث والبطر وكلما ازداد