شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

الطعن الأول

صفحة 162 - الجزء 17

  وسوسته وأكلهما من الشجرة فكيف يقول المرتضى ليس قول أبي بكر بمنزلة من وسوس له الشيطان فلم يطعه وكذلك قوله تعالى في قصة موسى لما قتل القبطي {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ١٥}⁣[القصص: ١٥] وكذلك قوله {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا}⁣[البقرة: ٣٦] وقوله {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}⁣[الحج: ٥٢] وما ذهب إليه المرتضى من التأويلات مبني على مذهبه في العصمة الكلية وهو مذهب يحتاج في نصرته إلى تكلف شديد وتعسف عظيم في تأويل الآيات على أنه إذا سلم أن الشيطان ألقى في تلاوة الرسول ÷ ما ليس من القرآن حتى ظنه السامعون كلاما من كلام الرسول فقد نقض دلالة التنفير المقتضية عنده في العصمة لأنه لا تنفير عنده أبلغ من تمكين الله الشيطان أن يخلط كلامه بكلامه ورسوله يؤديه إلى المكلفين حتى يعتقد السامعون كلهم أن الكلامين كلام واحد.

  وأما قوله إن آدم كان مندوبا إلى ألا يأكل من الشجرة لا محرم عليه أكلها ولفظة عصى إنما المراد بها خالف المندوب ولفظه غوى إنما المراد خاب من حيث لم يستحق الثواب على اعتماد ما ندب إليه فقول يدفعه ظاهر الآية لأن الصيغة صيغة النهي وهي قوله {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}⁣[البقرة: ٣٥] والنهي عند المرتضى يقتضي التحريم لا محالة وليس الأمر الذي قد يراد به الندب وقد يراد به الوجوب.

  وأما قول شيخنا أبي علي إن كلام أبي بكر خرج مخرج الإشفاق والحذر من المعصية عند الغضب فجيد.

  واعتراض المرتضى عليه بأنه ليس ظاهر اللفظ ذاك غير لازم لأن هذه عادة العرب يعبرون عن الأمر بما هو منه بسبب وسبيل كقولهم لا تدن من الأسد فيأكلك فليس أنهم قطعوا على الأكل عند الدنو وإنما المراد الحذر والخوف والتوقع للأكل عند الدنو.