شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك

صفحة 149 - الجزء 18

  ٣٢ - وَقَالَ # فَاعِلُ اَلْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ وَفَاعِلُ اَلشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ قد نظمت أنا هذا اللفظ والمعنى فقلت في جملة أبيات لي:

  خير البضائع للإنسان مكرمة ... تنمي وتزكو إذا بارت بضائعه

  فالخير خير وخير منه فاعله ... والشر شر وشر منه صانعه

  فإن قلت كيف يكون فاعل الخير خيرا من الخير وفاعل الشر شرا من الشر مع أن فاعل الخير إنما كان ممدوحا لأجل الخير وفاعل الشر إنما كان مذموما لأجل الشر فإذا كان الخير والشر هما سببا المدح والذم وهما الأصل في ذلك فكيف يكون فاعلاهما خيرا وشرا منهما.

  قلت لأن الخير والشر ليسا عبارة عن ذات حية قادرة وإنما هما فعلان أو فعل وعدم فعل أو عدمان فلو قطع النظر عن الذات الحية القادرة التي يصدران عنها لما انتفع أحد بهما ولا استضر فالنفع والضرر إنما حصلا من الحي الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما فلذلك كان فاعل الخير خيرا من الخير وفاعل الشر شرا من الشر