شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نبذ من الوصايا الحكيمة

صفحة 392 - الجزء 18

  ركابه الغرق من مكان مخوف من البحر فبشرهم بتجاوزه قبل أن يتجاوزه لئلا يضطربوا فيتعجل غرقهم.

  وقد يحمد رياء الرئيس إذا قصد أن يقتدى به في فعل الخير والمعجب لا حظ له في سبب من أسباب المحمدة بحال.

  وأيضا فلأنك إذا وعظت الكاذب والمرائي فنفسهما تصدقك وتثلبهما لمعرفتهما بنفسهما والمعجب فلجهله بنفسه يظنك في وعظه لاغيا فلا ينتع بمقالك وإلى هذا المعنى أشار سبحانه بقوله {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}⁣[فاطر: ٨] ثم قال سبحانه {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}⁣[فاطر: ٨] تنبيها على أنهم لا يعقلون لإعجابهم.

  وقال # ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه.

  وفي المثل إن إبليس قال إذا ظفرت من ابن آدم بثلاث لم أطالبه بغيرها إذا أعجب بنفسه واستكثر عمله ونسي ذنوبه.

  وقالت الحكماء كما أن المعجب بفرسه لا يروم أن يستبدل به غيره كذلك المعجب بنفسه لا يريد بحاله بدلا وإن كانت رديئة.

  وأصل الإعجاب من حب الإنسان لنفسه وقد قال # حبك الشيء يعمي ويصم ومن عمي وصم تعذر عليه رؤية عيوبه وسماعها فلذلك وجب على الإنسان أن يجعل على نفسه عيونا تعرفه عيوبه نحو ما قال عمر أحب الناس إلي امرؤ أهدى إلي عيوبي.

  ويجب على الإنسان إذا رأى من غيره سيئة أن يرجع إلى نفسه فإن رأى ذلك