شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات

صفحة 408 - الجزء 18

  في القوم غلام من قريش جالسا فتحمل الكلمة إلى معاوية فقال معاوية أنت سمعت هانئا يقولها قال نعم قال فاخرج فأت حلقته فإذا خف الناس عنه فقل له أيها الشيخ قد وصلت كلمتك إلى معاوية ولست في زمن أبي بكر وعمر ولا أحب أن تتكلم بهذا الكلام فإنهم بنو أمية وقد عرفت جرأتهم وإقدامهم ولم يدعني إلى هذا القول لك إلا النصيحة والإشفاق عليك فانظر ما يقول فأتني به.

  فأقبل الفتى إلى مجلس هانئ فلما خف من عنده دنا منه فقص عليه الكلام وأخرجه مخرج النصيحة له فقال هانئ والله يا ابن أخي ما بلغت نصيحتك كل ما أسمع وإن هذا الكلام لكلام معاوية أعرفه فقال الفتى وما أنا ومعاوية والله ما يعرفني قال فلا عليك إذا لقيته فقل له يقول لك هانئ والله ما إلى ذلك من سبيل انهض يا ابن أخي راشدا.

  فقام الفتى فدخل على معاوية فأعلمه فقال نستعين بالله عليه.

  ثم قال معاوية بعد أيام للوفد ارفعوا حوائجكم وهانئ فيهم فعرض عليه كتابه فيه ذكر حوائجه فقال يا هانئ ما أراك صنعت شيئا زد فقام هانئ فلم يدع حاجة عرضت له إلا وذكرها ثم عرض عليه الكتاب فقال أراك قصرت فيما طلبت زد فقام هانئ فلم يدع حاجة لقومه ولا لأهل مصره إلا ذكرها ثم عرض عليه الكتاب فقال ما صنعت شيئا زد فقال يا أمير المؤمنين حاجة بقيت قال ما هي قال أن أتولى أخذ البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين بالعراق قال افعل فما زلت لمثل ذلك أهلا فلما قدم هانئ العراق قام بأمر البيعة ليزيد بمعونة من المغيرة بن شعبة وهو الوالي بالعراق يومئذ.