شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

صفحة 309 - الجزء 19

  نهيا عن حسن وكل فعل لا يأمن فاعله أن يكون مختصا بوجه قبيح فهو قبيح ألا ترى أنه يقبح من الإنسان أن يخبر على القطع بأن زيدا في الدار إذا لم يأمن ألا يكون فيها لأنه لا يأمن أن يكون خبره كذبا ومنها أن يكون ما ينهى عنه واقعا لأن غير الواقع لا يحسن النهي عنه وإنما يحسن الذم عليه والنهي عن أمثاله.

  ومنها ألا يغلب على ظن المنكر أنه إن أنكر المنكر فعله المنكر عليه وضم إليه منكرا آخر ولو لم ينكر عليه لم يفعل المنكر الآخر فمتى غلب على ظنه ذلك قبح إنكاره لأنه يصير مفسدة نحو أن يغلب على ظننا أنا إن أنكرنا على شارب الخمر شربها شربها وقرن إلى شربها القتل وإن لم ننكر عليه شربها ولم يقتل أحدا.

  ومنها ألا يغلب على ظن الناهي عن المنكر أن نهيه لا يؤثر فإن غلب على ظنه ذلك قبح نهيه عند من يقول من أصحابنا إن التكليف من المعلوم منه أنه يكفر لا يحسن إلا أن يكون فيه لطف لغير ذلك المكلف وأما من يقول من أصحابنا إن التكليف من المعلوم منه أنه يكفر حسن وإن لم يكن فيه لطف لغير المكلف فإنه لا يصح منه القول بقبح هذا الإنكار.

  فأما شرائط وجوب النهي عن المنكر فأمور منها أن يغلب على الظن وقوع المعصية نحو أن يضيق وقت صلاة الظهر ويرى الإنسان لا يتهيأ للصلاة أو يراه تهيأ لشرب الخمر بإعداد آلته ومتى لم يكن كذلك حسن منا أن ندعوه إلى الصلاة وإن لم يجب علينا دعاؤه.

  ومنها ألا يغلب على ظن الناهي عن المنكر أنه إن أنكر المنكر لحقته في نفسه وأعضائه مضرة عظيمة فإن غلب ذلك على ظنه وأنه لا يمتنع من ينكر عليه من فعل