شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

بقية رد المرتضى على ما أورده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان

صفحة 10 - الجزء 3

  فأما مدحها له وثناؤها عليه، فإنما كانا عقيب علمها بانتقال الأمر إلى من انتقل إليه، والسبب فيه معروف، وقد وقفت عليه وقوبل بين كلامها فيه متقدما ومتأخرا.

  فأما قوله، لا يمتنع أن يتعلق بأخبار الآحاد في ذلك؛ لأنها في مقابلة ما يدعونه مما طريقه أيضا الآحاد فواضح البطلان؛ لأن إطباق الصحابة وأهل المدينة إلا من كان في الدار معه على خلافه، فإنهم كانوا بين مجاهد ومقاتل مبارز، وبين متقاعد خاذل معلوم ضرورة لكل من سمع الأخبار، وكيف يدعى أنها من جهة الآحاد حتى يعارض بأخبار شاذة نادرة، وهل هذا إلا مكابرة ظاهرة؟ فأما قوله: إنا لا نعدل عن ولايته بأمور محتملة، فقد مضى الكلام في هذا المعنى، وقلنا إن المحتمل هو ما لا ظاهر له ويتجاذبه أمور محتملة، فأما ما له ظاهر فلا يسمى محتملا، وإن سماه بهذه التسمية فقد بينا أنه مما يعدل من أجله عن الولاية، وفصلنا ذلك تفصيلا بينا.

  وأما قوله: إن للإمام أن يجتهد برأيه في الأمور المنوطة به ويكون مصيبا، وإن أفضت إلى عاقبة مذمومة، فأول ما فيه أنه ليس للإمام ولا غيره أن يجتهد في الأحكام، ولا يجوز أن يعمل فيها إلا على النص، ثم إذا سلمنا الاجتهاد فلا شك أن هاهنا أمورا لا يسوغ فيها الاجتهاد حتى يكون من خبرنا عنه بأنه اجتهد فيها غير مصوب، وتفصيل هذه الجملة يبين عند الكلام على ما تعاطاه من الإعذار عن أحداثه على جهة التفصيل.

  قلت: الكلام في هذا الموضع على سبيل الاستقصاء إنما يكون في الكتب الكلامية المبسوطة في مسألة الإمامة، وليس هذا موضع ذاك ولكن يكفي قاضي القضاة أن يقول: