شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

خروج علي لحرب معاوية وما دار بينه وبين أصحابه

صفحة 184 - الجزء 3

  النية رابط الجأش، وايم الله ما أظن ذلك اليوم يبقي منهم، ولا منا إلا الرذال.

  فقال عبد الله بن بديل: أنا والله أظن ذلك فبلغ كلامهما عليا #، فقال لهما: ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا تظهراه، ولا يسمعه منكما سامع إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين، وكل آتيه منيته كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين في سبيله والمقتولين في طاعته.

  قال نصر: فلما سمع هاشم بن عتبة ما قالاه: أتى عليا #، فقال: سر بنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وعملوا في عباد الله بغير رضا الله، فأحلوا حرامه وحرموا حلاله، واستوى بهم الشيطان ووعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى، وقصد بهم قصد الردى، وحبب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة، وانتجاز موعد ربنا، وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله ÷ رحما، وأفضل الناس سابقة وقدما وهم يا أمير المؤمنين، يعلمون منك مثل الذي نعلم، ولكن كتب عليهم الشقاء ومالت بهم الأهواء، وكانوا ظالمين فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا تنصرك على من خالفك وتولى الأمر دونك جذلة، والله ما أحب أن لي ما على الأرض مما أقلت، ولا ما تحت السماء مما أظلت وأني واليت عدوا لك أو عاديت وليا لك، فقال #: (اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة لنبيك).

  قال نصر: ثم إن عليا # صعد المنبر، فخطب الناس ودعاهم إلى الجهاد، فبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم قال: