شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

أباة الضيم وأخبارهم

صفحة 270 - الجزء 3

  سرا، ثم ظهر لقتيبة أمره فأرسل إليه يدعوه فوجده قد طلا رجله بمغرة، وعلق في عنقه خرزا وعنده رجلان يرقيان رجله، فقال للرسول: قد ترى ما برجلي فرجع وأخبر قتيبة فأعاده إليه، فقال: قل له ليأتيني محمولا.

  قال: لا أستطيع، فقال قتيبة لصاحب شرطته: انطلق إلى وكيع فأتني به، فإن أبى فاضرب عنقه وائتني برأسه ووجه معه خيلا، فقال وكيع لصاحب الشرطة: البث قليلا تلحق الكتائب وقام فلبس سلاحه ونادى في الناس فأتوه، فخرج فتلقاه رجل فقال: ممن أنت؟ فقال: من بني أسد، فقال: ما اسمك؟ فقال: ضرغام، فقال: ابن من؟ قال: ابن ليث فتيمن به وأعطاه رايته، وأتاه الناس إرسالا من كل وجه فتقدم بهم وهو يقول:

  قرم إذا حمل مكروهة ... شد الشراسيف لها والحزيم

  واجتمع إلى قتيبة أهله وثقاته وأكثر العرب ألسنتهم له وقلوبهم عليه، فأمر قتيبة رجلا فنادى أين بنو عامر، وقد كان قتيبة جفاهم في أيام سلطانه، فقال له مجفر بن جزء الكلابي: نادهم حيث وضعتهم، فقال قتيبة: أنشدكم الله والرحم وذاك؛ لأن باهلة وعامرا من قيس عيلان فقال مجفر: أنت قطعتها قال: فلكم العتبى، فقال مجفر: لا أقالنا الله إذا، فقال قتيبة:

  يا نفس صبرا على ما كان من ألم ... إذ لم أجد لفضول العيش أقرانا

  ، ثم دعا ببرذون له مدرب ليركبه فجعل يمنعه الركوب حتى أعيا، فلما رأى ذلك