الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 382 - الجزء 2

  المضارع المنفي يكذب مخبره بوقوع المنفي ولو في وقت واحد، والعذاب الأليم في الآيتين الأولتين التاسعة والعاشرة وإن لم يذكر معه خلود فيه وتأبيد فالدليل عليه ما ذكر قبله من الأفعال المضارعة المنفية، ونفي الخلاق لهم في الآخرة.

  الآية الرابعة عشرة: قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ ١٥ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٦}⁣[هود].

  وهذا الوصف يعم الكافر والفاسق، بل يتناول المؤمن؛ لأنه ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها، لكنه يريد ذلك من وجه الحل؛ للإجماع بأن له الثواب في الآخرة، فاللفظ وإن تناوله بعمومه فهو مخصوص بآيات الوعد له بالجنة التي هي مستند الإجماع، فيبقى الكافر والفاسق تحت ذلك الوعيد الشديد أن ليس له في الآخرة غير النار ذات الوقيد.

  الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ٨٩ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٩٠}⁣[النمل]، والفاسق أتى بالسيئة كالكافر.

  لا يقال: وقد أتى بالحسنة وهي الإسلام، فليس بأن يدخل في عموم الجملة الأخيرة أولى من أن يدخل في عموم الجملة الأولة.

  لأنا نقول: قد شرط الله سبحانه في النجاة بالدخول في الإسلام الاستقامة على أوامره ونواهيه؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}⁣[فصلت ٣٠]، والفاسق المصر حتى مات على فسقه لم يستقم كما أمره الله سبحانه. إلى غير ذلك من الآيات الواردة في العصاة أعم من أن يكونوا كفاراً أو فساقاً، فيدخل فيها الصنفان⁣(⁣١) جميعاً؛ لأن اللفظ العام يجب حمله على جميع ما تناوله، ولا يجوز أن يخرج


(١) في المخطوط: الصنفين.