[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة
  منه شيء بغير دليل، ولم يدل الدليل على إخراج من عدا التائب وصاحب السيئة الصغيرة، فصاحب الكبيرة غير التائب باق في الوعيد قطعاً.
  لا يقال: إنما دخل الفاسق في الوعيد بهذه الآيات أو غيرها بدلالة العموم وهي ظنية، أو أن العام بعد تخصيصه تبقى دلالته على الباقي ظنية، ولا دلالة قطعية تخص الفاسق بالوعيد بالنار والخلود فيها.
  لأنا نقول: هذا الإيراد باطل قطعاً؛ لاستلزامه ما هو باطل إجماعاً من عدم القطع بدخول الكفار النار؛ لأن هذه الآيات المذكورة إنما تناولت الكفار بدلالة العموم، ولأنها قد خصصت بالتائب وصاحب الصغيرة. فلو قيل: دلالة العموم على الباقي ظنية، ولا يؤخذ بالظني فيما المطلوب فيه العلم لبطل معنى هذه الآيات رأساً، وإن رجع في تخليد الكافر في النار إلى الآيات الواردة في وعيد الكفار خاصة فالقول بما يؤدي إلى إلغائه وتعطيل فائدته، وإن كان هذا السؤال باطلا(١) بما ذكرناه من الجواب الإلزامي، فلا يلزمنا الجواب عليه بالحل الإقناعي إلا على سبيل التفضل فنقول: أما قول السائل: إن دلالة العموم ظنية، أو إن دلالته على الباقي بعد التخصيص ظنية فلا يسلم له ذلك؛ لأن علماء الأصول اختلفوا في دلالة العام على كل فرد من أفراده أو كل نوع من أنواع جنسه، فقيل: ظنية مطلقاً، وقيل: قطعية مطلقا، وقال بعض أهل العدل: ظنية إلا في الوعيد فقطعية. والأظهر والله أعلم أن هذه الأقوال غير صحيحة: أما الأولان فلإطلاقهما في كل عام، وقد علمنا أن بعض العمومات قطعية الدلالة على كل فرد، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التغابن ١١]، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}[النساء ٤٠]، وعلمنا أن بعض العمومات لم تتناول بعض المفردات، نحو: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل ٢٣]، {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل ١٦].
(١) في المخطوط: باطل.