الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 434 - الجزء 2

  فيها منافقوها، فيأتيهم الله تعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه. فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفونه، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه».

  وهذا الكلام لا يصح إلا أن يكون من دسائس الملاحدة وأهل الزيغ؛ لما فيه من تنقله ø من حال إلى حال، وإثبات الصور، وكون المؤمنين والمنافقين يعرفونه بصورة قبل يوم القيامة، فيأتيهم أولاً في غيرها فيستعيذون بالله منه، ثم ينصرف عنهم فيأتيهم في صورته التي عرفوها قبل يوم القيامة، وكيف يصح أو يُؤَوَّل هذا الكلام في عقل عاقل أو تأويل عالم أو جاهل؟! ثم قوله: «فيتبعونه» ظاهره أنه يقدمهم في الانصراف إلى أي الجهات وهم له تبع، فيناقضه ما بعده من الكلام، وهو قوله: «حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار» إلى آخر الكلام الذي مر ذكره، ثم في آخر هذا الحديث ما يقتضي وقوع الأيمان المعقودة على أمر في المستقبل، ثم الحنث بعدها، ثم كذلك، ثم كذلك، ثم كذلك، وهو في النار يسأل الله أن ينقله من درجة هو فيها إلى ما هي دونها، فيأخذ الله عليه العهود والمواثيق أن لا يسأل الله شيئاً بعدها، فإذا نقله إليها سأل الله أن ينقله إلى ما دونها، فيقول الله ø: ألم تعطني العهود والمواثيق أن لا تسأل غير ما أعطيت، ويلك يابن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب لا أكون أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله ø منه، فإذا ضحك منه قال: ادخل الجنة. وهذا يلزم منه التجسيم والاستهزاء والسخرية في موقف الحق، والأيمان الفاجرة، ومناقضة أول الحديث في كيفية إخراج أهل النار منها، وكفى بهذه الوجوه دليلاً على بطلان هذا الحديث بأسره.

  وبعد، فهذا خبر آحادي، والمسألة تحتاج إلى قطعي، والآحاد لا تفيد القطع.