الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 444 - الجزء 2

  المجبرة، فلا متمسك لهم بها.

  لا يقال: إنما أوردوها ليبطلوا بها ما ذهبتم إليه بناء على أصلكم في عدم جواز العفو عن المصر على الكبيرة، لا ليتمسكوا بها لمذهبهم، فقد قامت الدلالة عليه بغيرها.

  لأنا نقول: هذا باطل من وجهين:

  أحدهما: أنه لا يلزمنا أن الله تعالى لا يسمى واسع المغفرة حسن التجاوز إلى آخره مع قولنا: إنه يفعل بصاحب الكبيرة ما يستحقه من العقاب، وإنه لا يثيب أحداً إلا بالعمل الصالح؛ لأن إسقاط عقاب الكفر عمر المكلف إلى قبيل الموت بوقت أو وقتين فصاعداً، فتكون من العبد التوبة النصوح فيقبلها الله منه ثم يقبضه إلى رحمته، وكذلك العمل الصالح اليسير الذي لا يساوي عشير عشير معشار نعمة الله تعالى على العبد الذي فعله، فيثيبه عليه الإثابة التي لا مثلها في الإنعام، حيث يدخله الجنة خالداً، فهذا حسن تجاوز وسعة مغفرة ورحمة لا حسن ولا سعة في الرحمة والمغفرة وراء ذلك وإن كان لا يفعله إلا لمن تاب وعمل صالحاً، أو كان لا يفعله لمن لم يكن من أهله، وهو المصر، كما أن عدم إكرام السلطان عدوه لا ينافي كرمه ورحمته وتجاوزه عن اليسير من عيوب رعيته، وإن كان في عطاياه وإكراماته للرعية ما هو واجب مستحق كالأجير، وكذلك إذا كان يعطي من أحسن فوق ما يستحق، فكل ذلك كرم وفضل ورحمة كذلك، وإذا كان السلطان يقبل من فر إليه من الأعداء واعتذر إليه، وأخلص التولي له، ودخل تحت طاعته، فأكرمه وصفح عنه في جميع ما قد أسلف فلا شك أنه قد عفا عنه وأكرمه، ولا شك أن ما عليه من الإغلاظ والتوعد لسائر الأعداء إن لم يفيئوا لا ينافي كونه كريماً عفواً محسناً رحمياً برعيته، وإن كان شديد العقاب على من ظفر به من الأعداء، فَجَعْلِهم ذلك تمدحاً بما لا فضل فيه مغالطة ومكابرة لما تستحسنه العقول ونطق به سيد المنقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ