[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة
  أصل البحث الذي ساقه خصمكم؟
  والجواب وبالله التوفيق: أن مُورِدي هذه الشبهة فريقان: عدلية ومجبرة، وكل منهما لا تستقيم على قود مذهبه.
  أما العدلية كالجلال والمقبلي فلأنهم لا يخالفونا في صحة معاقبة الله المصر على الكبيرة، فلو عاقبه بناء على صحة ذلك وجوازه أو عدم وجوب قبول التوبة في حق من تاب لما كان عظيم العفو حسن التجاوز واسع المغفرة، فما أوردوه علينا بأسره فهو وارد عليهم لا محالة، فما أجابوا به فهو جوابنا، مع أن هذا الإلزام خاص بهم ولا يلزمنا البتة كما سنوضحه، وإنما قلنا: إنه خاص بهم، لأن من أصولهم أن قبول التوبة لا يجب، بل التائب وغير التائب تحت المشيئة على سواء، فأين مصداق عظيم العفو حسن التجاوز واسع المغفرة إن كان يصح منه تعالى رد التوبة النصوح التي لا يجد الفار من غضبه إلى رضاه غيرها؟ وهل هذا إلا إقناط من رحمة الله، وتثبيط عن التوبة والمبادرة إليها، وإغراء على الاستمرار في المعصية؛ إذ قد صارت التوبة وعدمها على سواء، فلا ثمرة في فعلها، بل ولا في شرعيتها والأمر بها، بل تصير شرعيتها والأمر بها عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
  وأما المجبرة فمن أعظم أصولهم إنكار التحسين والتقبيح العقليين، وأن العقل لا يدرك فيما يفعله الله بعباده وجه حسن ولا قبح، وأنه يجوز أن يعذب الأنبياء بذنوب الفراعنة، ويثيب الفراعنة بطاعات الأنبياء؛ لأنه لا يقبح منه شيء، ولا يسأل عما يفعل.
  فيقال لهم: من أين علمتم صحة ما أوردتم من هذه الشبهة من أنه لا يصح التمدح بالغفران والرحمة مع التوبة؟ وأين مصداق واسع الرحمة وأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين مع كونه خلق الكفر في الكافر وعذبه عليه أَبَدَ الآبدين؟ وأين شاهد كونه تعالى محسناً رؤوفاً مع صحة أن يعذب الأنبياء بذنوب الفراعنة؟
  فتبين لك أن هذه الشبهة لا تصح دليلاً لأحد فريقي الإرجاء لا العدلية ولا