(فصل:) في الكلام في حقيقة الكفر وأحكامه، ومسائل التكفير وأقسامه
  عن التكفير والتفسيق، فقال # في الشامل بعد أن ألزم المجبرة إبطال الأمر والنهي، والمدح والذم، وسد باب المجازاة بالثواب والعقاب، وهدم قاعدة الشريعة والعمل بها، وإفحام الرسل، وإبطال البعثة لهم، فقال # بعد ذلك ما لفظه: وليس العجب من البُلْه وأهل البلادة من المجبرة، فلو سكت الجاهل لما اختلف الناس، وإنما العجب كل العجب من أهل الفطنة والكياسة منهم كيف قالوا بمثل هذه الأقوال الرديئة، ودانوا بمثل هذه المذاهب المنكرة، فتباً للجبر وسحقاً لأصحابه، وقبحاً وترحاً لأتباعه وأربابه، كيف أضربوا عن التنزيل صفحاً، وطووا عن إحراز محاسنه كشحاً. ذكره عنه في شفاء صدور الناس، حكى ذلك في الإرشاد الهادي.
  فانظر رحمك الله تعالى كيف لم يجر لهم ما يجب للمؤمن من الاحترام والإعظام، بل صرح بما هو ضد له ودال على عدم موالاتهم ومحبتهم، بل يدل على البراءة منهم وجواز لعنهم، كما ورد في السنة: «لعنهم الله على لسان سبعين نبياً»، وورد: «إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، ولا تفاتحوهم الكلام، ولا تُقْرُوهم السلام». وقد مرت هذه الأحاديث ذكر مخرجيها، فيجب إعمالها فيهم وإن لم نقل بكفرهم. وقوله ÷: «لا تقروهم السلام» يعني ابتداء، وأما الرد فيجب، لورود الأدلة الدالة على وجوبه من غير تفصيل، وقد قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء ٨٦] ولم يفصل.
  فإن قيل: أفساق هم لديكم؟
  قلنا: لا نقطع بفسقهم؛ إذ لو قطعنا بذلك لقطعنا بخلودهم في النار، ولا دليل سمعي قطعي عليه، لكن نجري عليهم هذه الأحكام لورود السنة بذلك، مع كونها أحكاماً فرعية اجتهادية. قوله #: (أو يشك في شيء من ذلك) يحتمل الإشارة إلى قوله: أو اعتقد له شريكاً أو أنه يفعل الجور إلخ، فالشك فيما ذكر كفر، وفيما بعده على خلاف في ذلك، وقد عرفت مما مر الاختلاف في