الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(فصل:) في الكلام في حقيقة الكفر وأحكامه، ومسائل التكفير وأقسامه

صفحة 510 - الجزء 2

  بكفر الذين قالوا: اجعل لنا ذات أنياط، ولا كَفَّر موسى # أصحابَه الذين قالوا: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، بل كل منهما نقم ذلك القول الصادر عمن آمن به، ورده بأبلغ رد، من دون تكفير ولا مطالبة بتجديد الإسلام، ولا بشيء من الأحكام المتفرعة على الكفر الطاريء من فسخ نكاح أو نحو ذلك، ولو كان كفراً لما جاز له ÷ ترك العمل بمقتضاه من فسخ النكاح أو المطالبة بتجديد الإسلام، والبيان إلى سائر الحاضرين وإلى أولئك القائلين أن ذلك القول كفر وخروج عن دين الإسلام؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

  لا يقال: هذا الدليل ظني؛ لأن القصة غير متواترة.

  لأنا نقول: الدليل يلزم من ادعى صحة التكفير بالتأويل لا من نفاه، وإنما ذكرنا هذه القصة استظهاراً، على أن ما حكاه الله تعالى عن موسى # قطعي، فيكون عمدة الدلالة لو سلم الاحتياج إلى الدليل من نفى التكفير بالتأويل.

  فإن قيل: إذا لم تحكموا بكفر المجبرة وغيرهم من كفار التأويل لزمكم الحكم بأنهم مؤمنون، فحينئذ تجب موالاتهم، ومحبتهم، وقبول شهادتهم، وغير ذلك من الأحكام اللازمة للمؤمن.

  قلنا: لا يلزمنا الحكم بإيمانهم؛ لأن الإيمان هو الإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات، وقولهم بالجبر ونحوه من أقبح المقبحات، فلم يصدق عليهم حقيقة الإيمان، ولا يلزمنا لهم ما يتفرع عليه من الأحكام المذكورة، ولسنا نعاديهم على حد معاداة الكافر: من اعتقاد جواز قتلهم، وتحريم أكل ذبائحهم ومناكحتهم، وعدم التوارث بيننا وبينهم، بل حد معاداة الفاسق: من البغض، وعدم قبول الشهادة، وعدم صحة الصلاة خلفه أو عليه، والبراءة، وجواز اللعن؛ لكذبهم على الله تعالى؛ ومن ثمَّ قال الإمام عماد الدين #(⁣١)، وهو أشد الناس تحرزاً


(١) يعني: الإمام يحيى بن حمزة #.