(فصل:) في حقيقة الفاسق وما تجب من معاملته
  قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} الآية [الأنفال ١٦] فسق الجميع إلى غير ذلك، ويمكن عدم فسق الجميع لظاهر قوله تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} أي: منضماً إلى جماعة، ولم يفصل بين أن يكونوا فراراً أو غير فرار. وإنما قلنا: إن الفرار إلى تلك الفئة لا يكون فسقاً إذا كان فيهم ولي الأمر أو أمير الجند لما رواه في الكشاف عن ابن عمر قال: خرجت سرية وأنا فيهم ففروا، فلما رجعوا إلى المدينة استحيوا، فدخلوا البيوت، فقلت: يا رسول الله، نحن الفرارون، فقال: «بل أنتم العكارون(١) وأنا فئتكم». قال في الأزهار: أو متحيزاً إلى فئة ردءاً أو مَنعة وإن تعددت، قال في شرحه ضياء ذوي الأبصار: والردء: المركز الذي يتركه الزاحفون على العدو مستقيماً وراء ظهورهم ليردفهم إذا هزمهم العدو، والمنعة: المكان المتحصن الذي يمنع من العدو إذا كر عليه.
  ولأهل المذهب تفصيل في الفرار، حاصله: إن كان لخشية استئصال السرية وهلاكهم، أو نقص عام(٢) للإسلام، أو وَهَناً(٣) يقتل فيه من صبر وثبت جاز الفرار، والعهدة في ذلك لأمير(٤) الجند، فمهما غلب في ظنه الهلاك له ولمن معه وكان في ذلك نقص عام للإسلام، بأن كان هو الإمام، أو يحصل بقتله من الضرر على عامة المسلمين كما يحصل بقتل الإمام، أو يلحق الإسلام وهن بقتله ولو في قطر أو ناحية أو محل واحد جاز له ولمن معه الفرار ولو إلى غير فئة على ما صححه الفقيه محمد بن سليمان للمذهب، ومن لم يكن في قتله أو من معه شيء من ذلك، وغلب على ظنه نكاية العدو أو التبس الحال في نكاية العدو وغيرها لم
(١) أي: الكرارون إلى الحرب والعطافون نحوها، يقال للرجل يولي عن الحرب ثم يكر راجعاً إليها: عكر واعتكر. وعكرت عليه، إذا حملت. (نهاية).
(٢) في المخطوط: نقصا عاماً.
(٣) أو وهن بقتل من صبر وثبت.
(٤) «على أمير» ظ.