الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(فصل:) في حقيقة الفاسق وما تجب من معاملته

صفحة 537 - الجزء 2

  صفة الرسول ÷: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤفٌ رَحِيمٌ}⁣[التوبة ١٢٨]، فشرط في صحة إيماننا عدم الرأفة بالزانيين، ونهانا عنها، والرسول ÷ من جملة من نهى عنها، ما ذاك إلا أن معاداة الفاسق والبراءة منه واجبان قطعاً، وإلا لزم أن يكون الرسول ÷ رؤوفاً به، وكذلك أمته؛ لوجوب التأسي به في ذلك، فينافي قوله تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ}، وقوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}⁣[النور ٤] في القاذف، وقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية [المائدة ٣٣] في المحارب، وقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ}⁣[المائدة ٣٨] في السارق، كل ذلك يدل على وجوب معاداة الفساق والبراءة منهم. (إلا القتل والقتال، وأخذ الأموال، فلا يجوز إلا بالحق) وذلك إذا حصل سبب مقتضٍ لذلك، كالقصاص، وقتال الباغي، ورجم الزاني المحصن، ونحو أخذ المال عما يلزم الفاسق من زكاة أو ديون أو نفقة من يجب عليه إنفاقه، أو ما أجلب به البغاة إلى محطة قتال المحقين، وتضمينهم ما أخذوه من المسلمين، (ولا يجوز قتلهم) وأخذ أموالهم (على الإطلاق) يعني بلا سبب ومقتضٍ شرعي كما جاز ذلك في الكفار؛ لقوله ÷: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله».

  (وكذلك حصره) وهو حبسه وعدم تخلية سبيله، معطوف على ما قبله، فلا يجوز إلا بالحق، وهو أن ذلك راجع إلى نظر ذي الولاية، فما قد وجب فيه حد وأقيم عليه لم يجز حبسه بعد ذلك، وما لم يكن فيه حد جاز لذي الولاية حبسه من باب التعزير والتأديب، وأما حبس من يجب عليه حد قبل إقامته فجائز؛ ليحفظ إلى أن يقام عليه الحد، وليس لسائر الناس حبس العاصي مطلقاً، إلا إذا كان يضرهم جاز لهم ذلك ليدفعوا عن نفوسهم ضرره، (وأما سَبْؤُه فلا يجوز بحال من الأحوال) لأنه مسلم حر أصل، ومن كان كذلك لم يصح تملكه، فلو