فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم
  مرَّ تعدادها في صدر الكتاب، ويعلمها بلا استدلال لما كانت حاصلة فيه بخلقه تعالى لها، وكذلك يعلم العلوم الاستدلالية التي قد أوصله نظره فيها إلى العلم بتمكينه تعالى من ذلك، فثبت الأصل الأول.
  وأما الأصل الثاني: وهو أنه يلزم من ذلك أن يكون تعالى عالماً فهو معلوم أيضاً؛ إذ لا يمكن أن يُوجِد العلمَ لغيره إلا مَن كان عالماً، ولهذا استحال على المجانين والصبيان تعليم غيرهم؛ لفقد العالمية لديهم، وهذا واضح كما ترى. فتقرر بجميع ما سلف أن الله تعالى عالم، وسواء قلنا: إن العلم بذلك بعد العلم بإثبات الصانع تعالى ضروري كما هو المختار، أم استدلالي كما هو رأي بعض علمائنا رحمهم الله تعالى.
  وبقي الكلام فيما يتصل بهذه المسألة من الأبحاث والفروع، وقد أشار الأمير # إلى بعض منها، وسنشير إن شاء الله إلى باقيها:
  الأول: أن الله تعالى يعلم جميع المعلومات، وقد ذكره # بقوله: (وهو تعالى لا يختص بمعلوم دون معلوم) لأنه تعالى عالم لذاته، ولا اختصاص لذاته بمعلوم دون معلوم (فيجب أن يعلم جميع المعلومات) كبيرها وصغيرها، ودقيقها وجليلها، وموجودها ومعدومها، أما على قول جمهور أئمتنا $ ومن وافقهم من أن صفات الله تعالى لأجل ذاته فلا إشكال، وأما على قول أبي علي ومن وافقه من أن الصفات مقتضاة عن ذاته تعالى فكذلك؛ لأن خروج المقتضي عن المقتضى لا يجوز، كخروج الجسم عن التحيز؛ فإن ذلك لا يصح بحال، وأما على قول أبي هاشم ومن وافقه من أنها مقتضاة عن الصفة الأخص وهي مقتضاة عن الذات فكذلك أيضاً، فلا يصح على أقوال الجميع اختصاص ذاته تعالى بمعلوم دون معلوم. وأما على قول المجبرة من أنه تعالى يتصف بصفاته تعالى من كونه قادراً وعالماً ونحوهما لأجل المعاني القائمة بذاته فلا يتأتى لهم تعميم الدليل في كل المعلومات؛ لأن المعنى يصح أن يفارق ما قام به، فيخرج عن كونه