فصل: في الكلام في أن الله تعالى عالم
  تعالى عالماً؛ لأن ذلك المعنى ليس واجباً عندهم لأجل الذات حتى يستحيل خروج الذات عنه؛ لأنه لو صح عندهم أن يكون للذات لكان يصح أن يقولوا: إن الصفات للذات، فيستريحوا عن التكلف لإثبات المعنى؛ ولأنه لا يصح تعميم تعلق المعنى بجميع المعلومات؛ إذ شأن المعنى صحة تعلقه بشيء دون شيء؛ فيصح على ذلك أن يكون تعالى عالماً بمعلوم دون معلوم، فتأمل ما في قولهم من الزلل والخلل.
  فهو تعالى يعلم كل المعلومات على كل حال و (على كل الوجوه التي يصح أن تعلم عليها) بمعنى أن ما علمه سبحانه وتعالى فهو في الواقع على حسب ما علمه، فيستحيل أن ينكشف خلافه، لأن العلم بالشيء لا على ما هو عليه في نفسه ليس بعلم، بل جهل مركب، وذلك محال في حقه تعالى؛ لأن ذلك نوع من الاعتقادات الفاسدة والأعراض الحادثة، وصفة نقص لا تجوز إلا على المحدثات، (فهو سبحانه) وتعالى في علمه بالأشياء جميعها كذلك (يعلم) كل (ما أجن عليه الليل وأضاء عليه النهار) لا يخفى عليه شيء في بطن برٍّ أو ظهره، ولا في وجه بحر أو قعره؛ لأن ذلك كله فعله وصنعه فهو عالم به؛ ولأنه كما سبق عالم بذاته، فيعلم جميع أفعاله وجميع أفعال عبيده، لا وجه لتخصيص عالميته بشيء دون شيء. وأجنه الليل، أي: ستره، مأخوذ من الجُنَّة، وهي الساترة، ومنه الْجِنُّ لَمَّا كانوا مستورين، والجَنَّة للبستان الذي سترت أشجاره عرصته.
  (ويعلم عدد قطر الأمطار و) عدد قطر (البحار) وهذا من عطف الخاص على العام؛ لأن ذلك قد دخل في قوله: «ما أجن عليه الليل وأضاء عليه النهار»، وكذلك قوله: (ويعلم السر، وهو ما بين اثنين، و) يعلم (ما هو أخفى) من السر (وهو) ما يحدث في النفوس من الوسوسة والعزم ونحوهما من (ما لم يخرج من بين شفتين) وهذا قول أكثر المفسرين في معنى السر وما هو أخفى. وقال الهادي # وتبعه الإمام القاسم في الأساس #: السر: ما