الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[أنه تعالى لا أول لوجوده]

صفحة 172 - الجزء 1

  إذا فرضنا إلى ألف محدِث وأولهم محدَثاً توقف وجود هذا الألف على ألف قبله، ثم كذلك ما لم نقطع جهة التسلسل بفرض أحدهم قديماً، فإن فرضناه انقطع التسلسل وصح الحكم بوجود العالم، لكن إن فرضنا ذلك لأول محدِث وهو محدِث العالَم كان ذلك القول صحيحاً لا يرد عليه اعتراض أصلاً، فيجب الاقتصار عليه من أول وهلة، وإنْ فرضناه فيما بعده من سائر المحدثين صار إثبات الوسائط عبثاً قبيحاً، وفتحاً لباب الجهالة، وإثبات ما لا طريق إليه، فيُعلم كونه باطلاً. وإنْ لم نقطع جهة التسلسل وبقيت مفتوحة لزم الحكم على العالم بالعدم حتى ينتهي التسلسل، والمفروض عدم تناهيه، فيؤدي إلى الحكم عليه بعدم الوجود، وقد علمنا وجوده، فنحكم عليه بالعدم في حال الوجود؛ وذلك جمع بين النقيضين وهو مستحيل، فما أدى إليه فهو مستحيل، فلا يصح القول بحدوثه تعالى؛ لِمَا يؤدي إليه من المحال، فيجب الحكم والقضاء الباتُّ أنه تعالى قديم لا أول لوجوده، وهذا واضح، فثبت أن الله تعالى قديم لا أول لوجوده، وبقي الكلام فيما يتصل بهذه المسألة من الفروع والأبحاث.

  الأول: أنه لا يأتي في هذه المسألة من الاختلاف ما أتى فيما قبلها بين البهاشمة وبين أبي الحسين ومحمود وجمهور أئمتنا $ هل هذه الصفة أمر زائد على ذات الموصوف بها أم لا، ولا بينهم وبين المجبرة أن القدم ليس معنىً زائداً على ذاته، بل اتفق الجميع على أن القدم ليس صفة ولا معنىً زائداً على كونه موجوداً لا أول لوجوده؛ لأن مرجع ذلك إلى السَّلْب، وهو أنه غير محدث، والسوالبُ كلها لا يفتقر المتصف بها إلى صفة وجودية ولا إلى معنى يصحح له ذلك، وكذلك كونه تعالى باقياً بما لا انتهاء له، فإن ذلك راجع إلى السلب، وهو نفي انتهاء


= لا، وسواء وجد ما بعده بحاصر كأنفاس أهل الدنيا وحركاتهم أم لا كأهل الآخرة، بخلاف توقف وجوده على وجود ما قبله فلا بد منه إن كان هو الفاعل له حتى ينتهي إلى قديم، وإلا تسلسل تسلسلاً يؤدي إلى التناقض كما ذلك في الكتاب. (من خطه ¦).