فصل: في الكلام في أن الله قديم
  وجوده، إلا أن القرشي | روى عن الأشعرية والكُلاَّبِية أن الباقي باق ببقاء زائد على ذاته. وكذلك قال الكعبي: شاهداً فقط.
  شبهتهم: أن الذات تكون ذاتاً وإن تعقب عدمها، فبقاؤها إذا لم تعدم معنى زائد على ذاتها.
  قلنا: ليس في بقاء الباقي شيء يشار إليه سوى وجود ذاته مستمرة، ولو كان معنى زائداً على ذلك لأمكن طرو ضده عليه إن كان بالفاعل مع استمرار وجود الذات وقتين فصاعداً، كالعلم والجهل، والقدرة والعجز، والسواد والبياض، ونحو ذلك من المعاني المتضادة على محلاتها مع بقاء المحل. وأيضاً فلو كان البقاء معنى زائداً على ذات الموجود الباقي لصح مقارنته لأول أوقات وجود الموجود كالسواد والبياض والحركة والسكون، وهو لا يعقل إلا في الوقت الثاني فما بعده؛ ولَمَا كان فرق بين ما يبقى كالجسم والألوان ونحوها وما لا يبقى كالصوت ونحوه.
  الثاني: أن القديم قديم بذاته لا بفاعل؛ لاستلزامه الحدوث، فيناقض قدمه؛ ولا لعلة لأنها إن كانت محدثة فكذلك، وإن كانت قديمة فما قيل في قدمه قيل في قدمها. وللزوم استغنائه عنها إذ كان قديماً مثلها؛ ولأنه ليس دعوى أن أحدهما هو المؤثر في قدم الآخر بأولى من العكس، فثبت أن القديم قديم بذاته.
  وأما كون الباقي باقيًا بذاته فإن كان قديماً كالباري فكذلك، ولعل أن الأشعرية ونحوهم ممن أثبت المعاني القديمة لله تعالى والكلام القديم يقولون: إنها باقية بذاتها؛ ولذا يسمونها الدائمة، وسيأتي إبطال هذه المعاني من حيث هي فضلاً عن وصفها بقدم أو بقاء، وفضلاً عن كون ذلك القدم والبقاء فيها هو بالذات أم لا. وإن كان الباقي محدثاً فمحل نظر هل بقاؤه بذاته أم بفاعل تلك الذات؟ إن قيل بالأول فيشكل عليه الإجماع أنه لا باقي إلا الله، وأن كل شيء سواه تعالى هالك، ولزوم استغناء الموجود عن الله تعالى في وجوده، فيكون