فصل: في الكلام في أن الله تعالى لا يشبه الأشياء
  وقد اختلف في ماهية الزمان وهويته، فقيل: هو حركة الفلك. وليس بسديد؛ لأن حركة الفلك حدث واقع في الزمان. وقيل: إنه أمر عَدَمِي لا وجود له في الخارج، وإنما هو أمر اعتباري بين وجود الموجودات بالنسبة إلى القَبْلِيَّة والبَعْدِيِّة. وليس بسديد أيضاً؛ لأنا نعلم مرور السنين والأعوام وتعددها وانقسامها إلى الفصول والأشهر والأيام والليالي، ومن البعيد أن تكون هذه أقسام لأمر عَدَمِي. والأظهر أن يقال: هو نفس الأحيان والأوقات المتجددة بحدوث الكائنات فيها. وفيه أن الأحيان والأوقات بعض الزمان ومهما لم يُعرَف لم تُعرَف، وفيه أيضاً - أي: الزمان نفسه - إشكال من حيث إن الذوات محصورة بقولهم: الشيء لا يخلو: [إما] أن يكون موجوداً أو معدوماً، والموجود إما قديم أو محدث، والمحدث إما أن يشغل الحيز عند حدوثه فهو الجسم، أوْ لا يشغله فهو العرض، والمتحيز إما أن ينقسم أوْ لا، الثاني الجوهر، فينظر في أي الأقسام الثلاثة التي هي الجسم والجوهر والعرض يدخل، بل من المعلوم أنه ليس بأحدها.
  ويمكن الجواب عن هذا(١) بأن التقسيم ناقص بأن يقال: والذي لا يشغل الحيز عند حدوثه إما أن يستقل بنفسه وهو الزمان، وإما ألَّا يستقل بنفسه بل يقوم بالجسم وهو العرض، وهذا قوي. ولا يمتنع عليه أن يقال: إن الزمان مما استأثر الله بعلمه كالروح وغيره مما أعلم الله الخلق بوجوده وحدوثه ولم يطلعهم على معرفة كنهه، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً}[الإسراء ٨٥].
  وحيث إنه ø لا يشبه الأشياء يجب أن يقال: إنه تعالى (ليس بنور ولا ظلام) لأنهما من جملة المحدثات يتضادان على المحل القائمين به، وهو الهواء الفاضي بين الأجسام الكثيفة، قال تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام ١].
  واختلف في المرجع بهما هل إلى الأجسام أم إلى الأعراض؟
(١) أي: عن الإشكال.