الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

معنى الإدراك في قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}:

صفحة 273 - الجزء 1

  وأما الأصل الرابع - وهو أن النقص على الله تعالى لا يجوز - فذلك معلوم، وهو إجماع لا يخالف فيه أحد.

معنى الإدراك في قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}:

  واعلم أن الاستدلال بالآية الكريمة ينبغي معه معرفة مفردات الكلمات المذكورة فيها باعتبار الحقيقة والمجاز، فَيستلزم معرفة معنى الإدراك، ومعرفة معنى الأبصار، ومعرفة معنى إسناد الإِدراك إلى الأبصار وإلى الله تعالى، وقد جمعنا الجميع في هذه الجملة لتقرير الدلالة على وجه يسقط معه اعتراض الخصوم، ويكون منزلة هذه الجملة من الوجهين الأولين بمنزلة التكميل والتحقيق، وبمثابة التفصيل والتدقيق؛ لأن الرازي اعترض استدلال أصحابنا بالآية مع أنها دلالة ظاهرة لا يسبق الفهم عند سماع الآية إلا أن المراد منها هو نفي أَنْ تَراهُ سبحانه وتعالى أعين الناظرين، وَيَخفَى عليه شيء من أحوال المبصرين، ولكن العلم نقطة كَثَّرَها الجاهلون.

  فاعترض الرازي ذلك الاستدلال بأن قال ما معناه: غايةُ ما في الآية أن الأبصار لا تدركه، وهو مسلم؛ لأن الأبصار هي المعاني القائمة بالأحداق، وهي لا تراه، وإنما يراه الإنسان المبْصر بها، فَظاهرُ الآية متروكٌ إجماعاً، فلا بد من التأويل حيثُ قد ترك ذلك الظاهر بالاتفاق، فَإِمَّا أنَ تجعلوا الأبصار بمعنى المبصرين بالأبصار فَهو تعالى من جملة المبصِرِين فيدخل فيما شمله العموم في: {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}، فَيلزم أن يَرى نَفْسَه، فصارت رؤيتُه تعالى جائزة في نفس الأمر غير مستحيلة، بل كُلُّ مَن صَحَّ أنْ يَرى نَفْسَه صَحَّ أن يراه غيره، فتنقلب الآية دليلاً لمثبتي الرؤية لا لمن نفاها.

  وكَذلِكَ اعترض بأن النَّفي في الآية موجه إلى كل الأبصار، وهو مسلم؛ لأن الكفار لا يرونه؛ لأن هذه سالبة كلية ونقيضها مُوجَبةٌ جزئية، وإذا نُفِي أحد