[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال
  من الله تعالى لِقبحه، لا لكونه تعالى غير قادر عليه، بل هو قادر عليه، ولكن لا يفعله لِكونه تعالى عَدلاً حكيماً، وليس ذلك من شأن العدل الحكيم.
  وتحقيقُ المسألةِ: أن المدحَ والتمدحَ بالنفي إِنْ كان راجعاً إلى نفي وصفٍ عن الذات كان إِثبات نقيضه نقصاً، ولا يلاحظ في ذلك هل يقدر على الاتصاف بذلك أو لا يقدر عليه، كالتمدح بنفي الولد والصاحبة والسِّنَة والنوم ونحو ذلك، وإِنْ كان بنفي فعل فَلا يكون نفيه مدحاً إِلا إذا كان الممدوحُ قادراً على فعله، كالمدح بنفي الظلم والعبث والكذب ونحوه، فَما ذكره الرازي من الاعتراض مُغالطةٌ، والأمر كما قيل:
  من لم يكن آل النبي هداته ... لم يأت فيما قَالَه بدليلِ
  بل شُبْهَة وتَوهم وخَيَالَة ... ومَقَالَه تُنْبِي عن التضليل
  وأمَّا الأصل الثاني - وهو أنَّ ذلك تمدحٌ رَاجِعٌ إلى ذاته - فَهو معلومٌ، ونعني بذلك أنَّ هذا التمدحَ مرجِعُه نَفي وصف يتعلق بذاته من حيث إنه لا يُرى، فصار كالوصف بأنه لا يُمثل ولا يُكيف ولا يُطعَم ولا تأخذه سِنة ولا نوم، وليس من باب التمدح بِأمر راجع إلى فعله ككونه تعالى لا يَظلم ولا يُظهر على غيبه أحداً، ولا يحب الجهر بالسوء من القول، والفرقُ بينهما أنَّ ما كان مرجعُ التمدح به إلى الذات فَإنه لا يَصحُّ نقيضه بأي حال كان، وما كان مرجع التمدح به إِلى الفعل فَإِنه قد يَصحُّ نقيضه أو ضده، ولذلك صح الاستثناء بقوله تعالى: {إِلا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}[الجن ٢٧]، {إِلَّا مَنْ ظُلِمْ}[النساء ١٤٨]، بخلاف الوصف بأنه لا يُمَثَّل ونحوه مما يعود إلى الذات فَلا يصح فيه استثناء ولا غيره مما يرفع ذلك الوصف، نفياً كان كما في الآية، أو إثباتاً كوصفِه بأنه قادر وعالم وحي، وهذا واضح.
  وَأَمَّا الأصل الثالث - وهو أن كل مدح راجع إلى الذات فإثبات نقيضه نقص - فذلك معلوم؛ بدليل أنه إذا تمدح شخص بأنه ليس بشويه المنظر ولا مختل الحواس علم أن إثبات نقائض هذه الأوصاف نقص، وهذا واضح أيضاً.