الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[دليل على أنه تعالى لا تصح عليه الرؤية بحال من الأحوال]

صفحة 279 - الجزء 1

[دليل على أنه تعالى لا تصح عليه الرؤية بحال من الأحوال]:

  (و) مما يدل على أنه تعالى لا تصح عليه الرؤية بحال ما (قالـ) ـه تعالى (لموسى # لَما سأله الرؤية) بِقوله: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ (لَنْ تَرَانِي) وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} الآية [الأعراف ١٤٣]، وَوجْهُ الاستدلال بِها أنَّ «لن» موضوعة في لغة العرب للنفي المؤبد ما لم تقيد بما يرفع التأبيد، كَما حَكى الله تعالى عن مريم &: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}⁣[مريم ٢٦]، فَلولا أنها قيدت نفي تكليمها & بِذكر اليوم لاقتضى النفي المؤبد كما في قوله تعالى: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا}⁣[الحج ٧٣] {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا}⁣[الحج ٣٧] {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}⁣[آل عمران ٩٢] {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا}⁣[المجادلة ١٧]، وَقد نَفَى الله الرؤية عن موسى # بِلفظة {لَنْ} ولم يقيدْه بوقتٍ فاقتضى التأبيد، ثم أكد نفي الرؤية بأن علقها بشرط مستحيل حصوله، وهو أن يكونَ الجبل مستقراً حال أن جعله دكاً، أي: مدكوكاً، مصدر بمعنى اسم المفعول، والدَّك: الدَّق، فَجعله سبحانه مَدكوكاً مُسَوَّى بالأرض، وجَعلَ الرؤيةَ معلقة بأن يراه مستقراً جبلاً على حالته الأولى في حالة جَعْلِه دكَّاً مُسوَّى بالأرض، وقيل: إن دَكًّا بمعنى: متحركاً {إِذَا دُكَّتْ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}⁣[الفجر ٢١]، أي: حُرِّكَت، كما في قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتْ}، فيكون أيضاً من باب ما علق بالمحال فهو محال؛ لأن استقرار الجبل حال تحركه محال؛ لأنه جمع بين النقيضين من حيث إن الاستقرار هو السكون الذي هو نقيض الحركة، فاجتماعهما في حالة واحدة محال، وما علق بالمحال فهو محال، كما في قوله تعالى في حق الكفار: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}⁣[الأعراف ٤٠]، وكقول الشاعر:

  وأقسم المجدُ حقاً لا يُخَالِقَهُمْ ... حتى يخالق بطن الراحةِ الشعر

  فَإِن قيل: أَليس أن الله تعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقراً بعد أن جَعله دكاً أو جعله متحركاً، فكيف جعلتم استقراره بعد ذلك محالاً وليس بمحال، بل هو