[دليل على أنه تعالى لا تصح عليه الرؤية بحال من الأحوال]
  جائز، وما علق على الجائز فهو جائز، وقد عُلِّقت الرؤية بذلك فهي إذاً جائزة؟
  قلنا: لم يجعل الله الرؤية متعلقة باستقرار الجبل بعد أن صار دكاً أو متحركاً، بل حال أن صار كذلك، وفرق بين الأمرين، فإِنَّ جَعْلَه مستقراً في حال كونه دكاً أو متحركاً يَلزَمُ منه الجمع بين النقيضين، بخلاف جعله مستقراً بعد أن صار مدكوكاً أو متحركاً فلا كلام أنه ليس بمحال؛ إذ لا يؤدي إلى الجمع بين النقيضين، وأن الله على كل شيء قدير، لكن لم تكن الرؤية معلقة على ذلك.
  دَليلُه أنَّ الرؤيةَ لم تَحصلْ لموسى # وقد استقر الجبل وعاد إلى حالته التي كان عليها، فَعُلِمَ أنها لم تعلق باستقرارِه بعد الدك بل حاله.
  وقد أكثرَ المخالفون التشبثَ في هذه المسألة بِسؤال موسى # الرؤية، وقالوا: لَو كانت مستحيلةً في حق الله تعالى لَما سألها #، سيما وهو أعلم الناس بالله وكليمه وصفيه.
  (و) والجواب عليهم وبالله التوفيق: أنه لَمَّا أكثرَ قومُ موسى التعنت عليه وقالوا له: أَرنا الله جهرةً، ولم يقنعوا بالأدلة العقلية في إثبات الصانع تعالى وتوحيده وعدم تجسيمه وتجسيده تعالى، وأنه لا يشبه الأشياء ولا يجوز عليه تعالى ما يجوز عليها من الرؤية ونحوها، حتى عَلَّقوا إِيمانهم لموسى # بالصانع وما يترتب عليه من نبوة موسى # وسائر ما جاء به عَلى رُؤيةِ الله تعالى، وقالوا له: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فَأَراد # أن ينضم إلى أدلة العقل دَليلٌ سمعي يقطع عنده حجاجهم، وينقطع بعده لجاجهم، وسَلكَ في طلب ذلك الدليل أبلغَ مسلك - ليكون أبلغ وأقطع لمحاججتهم - بأن أسند الرؤية إلى نفسه؛ ليعلموا أنه إذا مُنِعَها مع كونه كليم الله وحبيبه فَهم بِالمنع أولى، بخلافِ ما لو أسندها إليهم وقال: أرهم ينظرون إليك لبقي الشغب معهم ومع غيرهم من أهل الضلال بِأنَّهم إنما مُنِعُوها لكونهم ليسوا من أهلها، ولَو سَألَها لِنفسه لأُجيب إلى ما سأل؛ فَظهر بهذا أنه (لم يسأل موسى # الرؤية لنفسه، بل عن