الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال

صفحة 285 - الجزء 1

  والأظهرُ - والله أعلم - أنَّه لا يمتنع تكرر السؤال منهم فقط، لَا منه # كَمَا ذَكره أحمد⁣(⁣١) في حاشيته على الكشاف مِن أن التكرر كان بوقوعه من موسى # أولاً لِنفسه، ثم بسؤال قومه ثانياً، ولَا كَمَا يُفهمُه كلامُ الأمير المؤلف # عنهم أنَّه عند القصة الأولى حين ذهب للمناجاة، وعند الصاعقة حين ذهب لِأخذ الألواح، بَل التّكرُر باعتبار طلبهم له # أن يريَهم اللهَ جهرةً، وقولهم: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فَلمَّا لم يرعووا عن غيهم أراد أن يسمعَهم الدليلَ السمعي فَقاَل: «رَبِّ أرني» على نحو ما سبق أنه عن قومه، بل هذا هو الظاهر، أعني أن السؤال متكرر باعتبار وقوعه منهم لا منه، فأمَّا ذَهابُ موسى لميقات ربه فليس في القرآن ما يدل على أن ذلك مرتان، ولا ما يدل على أنه مرة فقط، بل مَن تأمل آياته وتدبر مدلولاته عَلِمَ أن الأمر محتمل ومحتمل؛ لِأنه قال تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}⁣[البقرة ٥١]، ثم ساق الآيات في العفو عنهم، وإيتاء موسى الكتاب، والأمر بقتلهم أنفسَهم عن اتخاذ العجل، حتى قال: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُون ٥٥ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٥٦}⁣[البقرة]، وهذا كما ترى يحتمل أَنه ذهب إلى الجبل غير المرة الأولى المذكورة {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}؛ إذ لم يذكر فيها ذهاب قومه معه، ولم يذكر فيها أخذ صاعقة، ولا وقوع رجفة، فيكون قولهم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} في المرة الثانية؛ لذلك أُفردت لها آية أخرى وخطاب متجدد، وذَكَر فيها أخذ الصاعقة لهم، وتوسطت بينهما الآيات المذكورة في شأن العجل، وإيتاء الكتاب، والأمر بقتل أنفسهم. ويحتمل أنها قصةٌ واحدة، وأَنما ذهب إِلاّ مرة


(١) اسمه أحمد بن محمد بن المنير الإسكندري المالكي، ذكره في أول الكشاف.