الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال

صفحة 287 - الجزء 1

  أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}⁣[الأعراف ١٥٥]، وهذا كَما تَرى يَحتمِلُ نحو مَا ذَكَرنا في آيات سورة البقرة أَنَّهما قصتان: الأولى ذهب فيها موسى وحده، وفيها وقعت مناجاته لربه وسأل الرؤية، ولكنه لا يستقيم أن السؤال لقومه؛ لأنَّهم على هذا لم يكونوا معه، وهو محمولٌ على أحد تأويلي الزمخشري والمتوكل على الله، وهو تفسير القاسم والهادي والحسين بن القاسم وغيرِهم $ - فَقالوا: لم يسأل موسى الرؤيةَ نفسَها، بل سَأَلَه تعالى أن يريَهُ آيةً من عظيم قدرته تعالى ينظر بها إليه، أي: يُعلمه تعالى بها علماً ضرورياً، كما قال إبراهيم #: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ..} الخ [البقرة ٢٦٠]، فقال تعالى: {لَنْ تَرَانِي} أي: لن تَقدر على أن ترى آية من عظيم آياتي الباهرة، ولكن انظر إلى هذا الجبل الذي هو أعظم منك كيف يكون حاله؟ فإن استقر مكانه بعد أن أفعل به ما تراه فسوف تراني، أي: فَستعلمُ الآيةَ العظيمةَ، فَلمَّا ارتج الجبل وادك لَمْ يملك موسى نفسَه أن خر مغشياً عليه {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ..} الآية.

  قال شيخنا |: وهذا عجيبٌ إِلا أنَّ المأثور والظاهر خلافه، ذكره في سمط الجمان بأخصر من العبارة المذكورة، وذكره في الكشاف أخيراً بالمعنى وزيادةِ بعضٍ ونقصانِ بعضٍ، كما يظهر لمن طالع الجميع، لكنا أخذنا المعنى من الجميع مع بعض تصرف للإيضاح.

  قلت: وعلى هذا التأويل يسقط احتجاج الجميع بالآية الكريمة، وحيثُ إن القائل به مَن قد رأيت من العلماء الأعلام والأئمة الكرام فلا تمتنع صحته والله أعلم. ولعله يحتمل معه أنهما قصتان: إِحداهما كان فيها ما ذكره وكان وحده #، والأخرى كان فيها قومه معه وقالوا له: أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة، ويحتمل أنها قصة واحدة على نحو ما سلف في توجيه ذلك عند ذكر آيات البقرة. وأمَّا على ما يقتضيه كلام الإمام الناصر في البرهان في تفسير: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ