[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال
  رَجُلاً} أنه الميقات الأول فالأمر بالعكس من الترتيب المذكور، والآيةُ وإنْ تأخرت في الذكر في القرآن فَما تَضمنته واقعٌ قبل إيتاء الألواح في الميقات الثاني، فَيكون على هذا أنه ذهب في المرة الأولى للمناجاة وقومه معه فقالوا له: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ}، وقوله في الآية السابقة: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} الخ كان فيها أيضاً كما هو الظاهر من قوله: {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ} الخ، وفي الثانية ذهب لأخذ الألواح المعبر عنها بإيتاء الكتاب، ويستبعد معه أنه قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} على التأويل الثاني؛ لأن إيتاءَه الألواح آيةٌ تغني عن طلب غيرها، مع أنه قد تَقدَّم قبل ذلك ما هو من أعظم الآيات كقلب العصا حية وتلقفها ما يأفكون، وإغراق فرعون ومن معه في اليم، وعلى التأويل الأول أَبْعدُ، بل ممتنع؛ لأنه إذا قد كان ذلك في القصة الأولى التي عبر عنها # بقوله: هو الميقات الأول، وأخذتهم الصاعقةِ إِذ ذاك - فكيف يستقيم أن يكون مثل ذلك في الميقات الآخِر؟
  وأقول - والله أعلم -: لَا طَائِلَ تحت هذا النِّزاع والاختلاف في أَنَّها قصةٌ أو قصتان(١)؛ لأن عمدة الاستدلال هو قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} وتسمية الله سبحانه وتعالى سؤالَ الرؤية ظلماً، وأنه أكبرُ إثماً من سؤال كتاب غير القرآن، وجعله سبباً لأخذ الصاعقة إِياهم، وهذا لا يفترق الحال فيه بين أن يكون واقعاً في قصة واحدة أو في مجموع قصتين، غير أن الواجب تنزيه موسى # أَنْ يسألَ الرؤية لا عن
(١) إلاّ أنه لَمّا زعم الخصوم أنها قصتان ليحملوا سؤال موسى لنفسه على الأولى، وسؤالهم لها على الثانية - كَانَ الرد عليهم لا يتم إلا مع معرفة بطلان كونهما قصتين، فأَما الاستدلال على نفي الرؤية فَهو كما ذكر غير واقفٍ على معرفة ذلك، وأقوى ما يعتمد في كونهما قصتين وأن السؤال متكرر فيهما أَنْ يقال: إِنْ تقدم سؤال موسى لنفسه أولاً فكيف يسألها لهم ثانياً وقد منع منها؟ وإن سألها لهم أولاً فكيف يطلبها لنفسه ثانياً وقد شاهد ما وقع بهم عند أن طلبها لهم؟. ويمكن الاستدراك على هذا بأن يقال: إنما سألها موسى لنفسه أولاً ولم يسألها لهم ثانياً، بل سألوها لنفوسهم فصعقوا، كما هو مفاد كلام أحمد في حاشيته على الكشاف. ويمكن الجواب على هذا بأن ظاهرَ قوله تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} وقولهم: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} يَدلُّ على أنهم لم يسألوها بنفوسهم من الله تعالى، بل طلبوا من موسى أن يسألَها لهم فسألها لهم بقوله: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}، ولا يسلم تقدم سؤال لنفسه، ونحن في مقام المنع، ولا يلزم المانع إلاّ القاطع، ولا قاطع بمجرد الاحتمال. (منه ¦).