[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال
  تقع عليه رُؤيةُ كلِّ راءٍ، والمعلوم خلافه، ولهذا اعترفَ نُقّادُهم أنه لا دَلالة من جهة العقل على وقوعِ الرؤية، وقصروا الاستدلال على السمع فقط.
  وَقَال الرازي في مفاتيح الغيب عند تفسير قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} مُستدلاً على الرؤية من جهة العقل: إِنِّ القولَ برؤيته تعالى يُؤدِّي إلى العلم اليقيني بِوجوده تعالى وحقيقته، فيجب القولُ بذلك.
  قلنا: وسَائرُ الحواس الخمس توُصلُ إلى العلم بوجود سائر الموجودات، فَيجب القولُ بأنه تعالى يُدرَك بالحواس الخمس؛ إذ ذلك أبلغ في اليقين بِوجوده تعالى، فيكون تعالى مطعوماً وملموساً ومشموماً ومسموعاً ومبصراً، والعجبُ كُلَّ العجب مِن مثل هذا التحرير يصدر من مثل ذلك النحرير لولا اتباع الأسلاف، وإِلا فَالمعلومُ بالضرورة اليقينية أنَّ البعثَ والإعادةَ لجميع الخلق إلى عرصة المحشر، ومشاهدةَ الجنة والنار وجميعَ أهوال القيامة - مُلْجِيءٌ إلى العلم الضروري بالله تعالى وبوجوده سبحانه، فلا حاجةَ إلى ارتكاب نحو هذه الخرافة، ولكل جواد كبوة، ولكل صارم نَبْوَة، ولقد كان يكفيه الاعترافُ كغيره مِن الأشاعرة أَنَّه لا دلالة في العقل، ويقتصر في دعواه على ذلك المذهب الباطل والاعتقاد العاطل على السمع.
  وأما شبهتهم من جهة السمع فقالوا: قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}[القيامة] {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ}[الأحزاب ٤٤] {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين ١٥] فَدلت الآيات على وقوع الرؤية للمؤمنين ثواباً لهم.
  قلنا: قَد دلت الآيتان المذكورتان والأحاديث في استدلالنا على انتفاء الرؤية، وهي صرائح لا تحتمل التأويل، فَيستحيلُ أن تدل هذه الآيات على الرؤية، وإلا لتناقض القرآن في دلالته، ولكذبت الأحاديث المذكورة، وحينئذ فيجب تأويل ما احتجوا به مِن أنَّ النظر بمعنى الانتظار، كقوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ