[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
  بغير لو قيل: غير الله. وقال أحمد: معناه لو كان فيهما آلهة غير الله شركاء لله لفسدتا.
  قلت: فظهر من كلامهما أن «غير» ملاحظ معناها في المقام، وحينئذ فيقال: فما النكتة في العدول عنها والتعبير بـ «إلاَّ» مع أن المعنى مع غير أوضح في إفادة المطلوب؟ ولم يذكرا تلك النكتة فلتتأمل. ويمكن أن يقال في ذلك - والله أعلم -: إِن في العدول إلى الإتيان بلفظ «إلا» الإشارة إلى المعنيين اللذين هما المقصودان من التوحيد والاستدلال بالدلالة عليه، أحدهما: نفي إلهية جميع ماعدا الله تعالى، وثانيهما: إثبات إلهية الله تعالى، وهذان المعنيان لا تعطيهما «غير» لو عبر بها إلا إذا كانت استثنائية لا وصفية، فأما «إلا» فهي تعطيهما بكل حال؛ لأنها لم توضع إلا للاستثناء فلا تخرج عنه، وإن أريد بها مع ذلك الوصفية فلا تنافي بينهما، بخلاف «غير» فإنها قد يراد بها الوصف فقط من دون استثناء، تقول: «هذا أمر غير عسير وغير ممتنع»، ومنه قوله تعالى: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}[المدثر ١٠]، وقد يراد بها الاستثناء، فدلالتُها عليه مع إتيانها لغيره مَحتملَةُ، ودلالة «إلا» عليه غير محتملة؛ لارتفاعه؛ فتكون الدلالة «بإلاَّ» قطعية «وبغير» ظنية، فعدل عن التعبير «بغير» إلى التعبير «بإلا».
  فإن قيل: فما ثمرة القول بأنها ضمنت الوصف مع الاستثناء كما تُفهمه عبارة الزمخشري، أو أنها بمعنى «غير» كما هو صريح قول أحمد، وما الفرق بين قوليهما؟
  قلت: أما الثمرة في ذلك - والله أعلم - فلأنها لو لم يلاحظ فيها معنى «غير» لصار تقدير الكلام: لو كان فيهما آلهة ليس فيها الله لفسدتا، لكن فيهما آلهة معها الله فلم تفسدا؛ لأن «لو» تفيد امتناع مدخولها المثبت المقيد على حسب ما هو عليه من القيد وثبوته من دون القيد أو انتفاءه رأساً، ثم يترتب الجواب في الاستثناء بعدها بلكن بنقيض المذكور في جواب «لو»، تقول: لو جاءني زيد إلا راكباً، أو راكباً، أو غير راكب لأكرمته، لكنه جاءني راكباً فلم أكرمه في الأول والثالث، أو لكنه جاءني غير راكبَ فلم أكرمه في الثاني، أو لكنه لم يجئني فلم