[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
  أكرمه إِن انتفى المجيء من حيث هو، ووزان ما نحن فيه من معنى الآية الكريمة هو الأول؛ لأنك استثنيت الإكرام حال مجيئه راكباً إِن ثبت المجيء، فينتفي الإكرام في حال مجيئه راكباً أو لو عدم المجيء بأصله، فكذلك الآية لو لم يكن في «إلا» معنى «غير» وهو الوصفية، فينتفي الفساد في صورتين: إِذا ثبتت آلهة معها الله أو انتفى الجميع، ولكون هذان المعنيين معلومي البطلان، ولا يندفعان إلا بالقول بأن «إلا» ملاحظ فيها معنى «غير» وهو الوصفية، أو هي بمعناها وهو الوصفية - قيل فيها ذلك، وصار تقدير الكلام حينئذ: لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا، لكن ليس فيهما آلهة إلا الله فلم تفسدا.
  وأمَّا الفرق بين كلام الزمخشري حيث قال: وصفت الآلهة بـ «إلا» كما توصف «بغير» لو قيل: غير الله، وَبين كلام أحمد أنَّ معناه: لو كان فيهما آلهة غير الله شركاء لله، فربما يتوهم مَن ليس له تأمل ومعرفة لموارد الألفاظ أَن ليس بينهما فرق مع أن بينهما فرقًا ظاهرًا ومعنى باهرًا، وذلك أن في عبارة الزمخشري يستفاد معنيان باهران ومطلوبان زاهران:
  أحدهما: انتفاء الصورتين المترتب على كل واحدة وقوع الفساد، وهما وجود الآلهة معها الله أو انتفاء الجميع، بخلاف كلام أحمد فَلا يفيد إلا انتفاء الأولى فقط، ألا تراه يظهر منه عدم ملاحظة الثانية والاقتصار على ملاحظة الأولى بقوله: معناه لو كان فيهما آلهة غير الله شركاء لله.
  وثانيهما: أن على كلام الزمخشري صار التقدير كما ذكرناه: لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا، لكن ليس فيهما آلهة إلا الله فلم تفسدا. وعلى كلام أحمد صار التقدير: لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا، لكن ليس فيهما آلهة غير الله فلم تفسدا. فالاستثناء في كلام الزمخشري أفاد إثبات إلهية الله تعالى ونفي إلهية ما عداه سبحانه وتعالى، وكلام أحمد إنما يفيد نفي إلهية ماعدا الله تعالى، فأما إثبات إلهيته تعالى فلا تفيدها تلك العبارة؛ لأن المستثنى بغير في حكم المسكوت عنه