[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
  تعالى وعلى ملائكته ورسله وكل من دان بتوحيده.
  قلت: وهذا دليل جيد لا غبار عليه، ولكنه مبني على القول بالعدل، فأما على القول بالجبر وتجويز فعل القبائح على الله تعالى، وإنكار التحسين والتقبيح العقليين كما هو مذهب المجبرة - فلا يتأتى هذا الدليل فتأمل، اللهم إلا أن يتوصل المجبرة إلى تصحيحه على أصلهم الباطل بأن يقولوا: إن الكذب وإِن جازَ على الله تعالى لِكونه غير منهي عنه ولا يدرك العقل جهة قبح في فعله تعالى فهو لا يجوز على الأنبياء والملائكة وجميع الأمة؛ لأنه قبيح منهم لأنهم منهيون عنه، وفي تجويز إله ثانٍ والقول به تكذيب لهم، ولزوم الكذب في خبرهم ودينهم بأنه تعالى إله واحد، فَلا يجوز القول به لذلك، لا لكون الكذب يقبح من الله تعالى - كان العذر حينئذ أقبح، وصار التنصل عن الباطل بما هو(١) أفضح.
  (ومما يدل على ذلك) من الأدلة السمعيَّة قوله تعالى: ({فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ}) [محمد ١٩]، (وقوله) تعالى: ({شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران ١٨]، (وقوله) تعالى: ({وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ}[البقرة ١٦٣]، (وقوله) تعالى: ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}) [الإخلاص ١]، إلى قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص ٤]، فَإِنَّ هذه الآيات وغيرها من آي الكتاب الكريم مصرحةٌ بذلك، وهي واردة في الكتاب العزيز على ضربين:
  منها: ما هو مثير ومنبه على دفائن العقول كالآيات المذكورة أَوَّلاً في المتن والشرح.
  ومنها: ما ليس كذلك.
(١) من حيث إنه مبني على تنزيه الملائكة والأنبياء عليهم سلام الله عن الكذب دون الباري تعالى. (من هامش الأصل).