[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
  مفترقين، وأيهما كان لزم الحدوث، فَلا يصح أن يكون معه تعالى إله غيره.
  قلت: وهذا الدليلُ يمكن أن يُعترض بأَن يقال: إنما كان يلزم ذلك - أعني الاجتماع أو الافتراق - لَو كانا جسمين؛ لأن ذلك من خواص الأجسام، فَأمَّا مع القول بأن الإله لا يصح أن يكون جسماً ولا عرضاً كما هو المقرر في المسألة حسبما مر في فصل نفي التشبيه فلا يرد ما ذكر، لكن يحرر هذا الدليل على وجه يسقط معه الاعتراض المذكور، وهو أن يقال: لو كان معه إله ثان فَإِمَّا أن يمتاز عنه أَو لا، إِنْ لم يمتز كانَ القولُ به باطلا، بل آيِلاً إلى نفي الثاني وهو الذي نقول، وإِنْ امتاز فَإما بالذات لم يعقل؛ حيث إنّ كلا منهما ليس بجسم ولا عرض فَيمتاز بالجهة، وإما بالوصف فَليس إلا أنّ كلاً منهما مع القول بإِلَهِيَّتِهما قادر على كل المقدورات، عالم بكل المعلومات، حي دائم لِذاته، فلا يصح التمايز بذلك، وإمّا بوصف غير ذلك فَلا يعقل، فلا يصح القول حينئذ بإِله غيره تعالى إلا لو حصل اختلاف وتشاجر وفساد، ولم يحصل، فَعُلمَ عدمُ وجود إله غيره تعالى.
  دليلٌ آخر: لو جوزنا إلهاً ثانياً لجوزناه ولا حاصر، فيصح تجويز ثالث ورابع إلى مالا نهاية له بِحَدٍّ ولا يدرك بِعَدٍّ، وهذا أدخل من السفسطة في الجهالة، وَأَعرق من كل قولٍ في الهوس والضلالة.
  دليل آخر ذَكَرَه الإمام الحسن بن علي بن داود $، حكاه عنه في شرح الأساس، قال # ما معناه: لو كان ثمَّ إله آخر مع الله تعالى مع كون الله تعالى قد أَخْبَر في كتبه وعلى أَلْسِنَة رُسله أَنَّه تعالى ليس له ثان: فإما أن يكون هذا الثاني عالماً بأن الله تعالى أخبر بأنه ليس له ثان ولم ينكر ذلك، ولا فعل ما يدل على التكذيب، أَوْ ليس بعالم، الثاني يلزم عليه الجهل، والأول إما أن يترك الإنكار وفعل ما يدل على التكذيب مع القدرة على ذلك كَان تَاركاً لِماَ يجب من جهة الحكمة، أو مع عدم القدرة كان عجزاً، وأيما كان من التقادير المذكورة كان منافياً لِلإلهية، فلا يصح القول بِالإله الثاني لما ذكر، ولِما يلزم من الكذب على الله