الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الرد على الفرق المخالفة في أن الله تعالى لا ثاني له]

صفحة 322 - الجزء 1

  جهة أن النور ملائم للإنسان غير مستوحش منه، والظلمة منافرة لطبعه يستوحش منها - فَأَمرٌ وراء ذلك؛ لأنهم يعلقون المدح والذم لما يصدر منهما من الأفعال لا باعتبار الملاءمة والمنافرة والوحشة وعدمها، اللهم إلا أن يقولوا: إن المدح للنور لِأنه فاعل الخير، والذم للظلمة لِأنها فاعل الشر - فقد أبطلناه بِأنه لم يكن النور فاعلاً للخير ولا الظلمة فاعلة للشر بأولى من العكس.

  وأما المجوس فَمن قال منهم: إِن إهرمن ويزدان فَاعلان بالطبع، وإن إهرمن فاعلُ الشر كله بطبعه، ويزدان فاعل الخير كله بطبعه - فَيعلم بطلان قوله بِما مر من إبطال قول أهل النور والظلمة. ومن قال منهم: إن يزدان فاعل بالإرادة والاختيار وإنه قادر عالم حي قديم كَان الخوض معه في التسمية، وفي إِضافة خلق المضار كالحرشات والسموم ونحوها إلى غيره وهو إهرمن؛ لأنه محدث، والمحدثُ لا يصح منه إيجاد الأجسام والقدرة والحياة ونحو ذلك من الأعراض الضروريات؛ ولأنا قد بينا فيما مَرَّ في إثبات الصانع أن فاعل جميع الأجسام والأعراض الضروريات هو الله تعالى لا غيره.

  وبعد، فقولُهم: إن إهرمن حدث من فكرة يزدان الرَّدية يستلزمُ حدوثَ يزدان؛ إذ الفكرة لا تجوز إلا على المخلوق الضعيف. وَقول بعضهم: إنه حدث من عفونات الأرض قولٌ باطل؛ إذ لا دليل عليه، بل قام الدليل على بطلانه؛ لأنهم إذا عنوا بيزدان الباري تعالى وإهرمن الشيطان - لعنه الله تعالى - فَقد قامت الأدلة على أن الله تعالى هو الخالق للشيطان؛ لأنه من جملة العالم، والله تعالى خالق جميع العالم كما تقدم؛ ولقوله تعالى حاكياً عن الشيطان: {رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}⁣[ص ٧٩].

  وَأَمَّا النصارى فَإِن كان التثليث عندهم كما حكاه أهل المقالات الذي مَرَّ نقله عنهم مِن أنه تعالى واحد بالحقيقة ثلاثة بالأقنومية: أقنوم الأب وهو الباري تعالى، وأقنوم الابن وهو الكلمة أو العلم، وأقنوم روح القدس وهو الحياة