[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
  الفائضية بينهما(١) - فهو ظاهر التناقض، من حيث إنه إِذاَ كان واحداً استحالَ أن يكونَ اثنين أو ثلاثة أو أكثر، ولله القائل:
  قل للذي يَحسِبُ من جَهْلِهِ ... أن النصارى يَعرفون الحسابْ
  لو صَحَّ ذا لم يَجعلوا واحداً ... ثلاثةً وهو خلافُ الصَّوابْ!
  وإِنْ كان باعتبار ما حَكى الله عنهم مِن اتخاذ المسيح وأمه إلهين مع الله تعالى، وأن المسيح ابن الله، وأنه اتحد به على اختلاف بينهم في الاتحاد: فَبعضهم يقول: اتحدا بالمشيئة، وبعضهم يقول: اتحدا بالذات - فَهو أدخل في البطلان مما قبله؛ لأنا نعلم وهم يعلمون بالضرورة المستندة إلى التواتر أن عيسى وأمه @ كَانا مِن أهل الأعصار المتأخرة عن القرون الماضين قبلهما إلى عهد آدم #، وأنهما من جملة البشر المخلوق بلا تناكر، فكيف يصح اتخاذهما إلهين مع الله تعالى ومن حق الإله أن يكون قديماً وأن لا يكون بشراً مخلوقاً؟
  وبعد، فقولُهم: «إِن المسيح ابن الله» يَستلزم الحلول والولادة، والله متعال عن ذلك.
  وبعد، فقولُهم: «إِنهما اتحدا مشيئة» قول باطل من حيث إِن مشيئةَ عيسى محدثةٌ قائمة بقلبه كما في غيره من سائر البشر، ومشيئةَ الله عبارةٌ عن إيجاده الموجودات بلا إيجاب ولا سهو ولا خطأ، فأين إحدى المشيئتين من الأخرى؟
  وبعد، فقول الآخرِين منهم: «إنهما اتحدا بالذات» أدخل في الضلالة، وأعرق في الجهالة؛ لأن الذّاتين فَأكثر يستحيلُ عليهما الاتحادُ ويصيران ذاتاً واحدة، سيما إذا كان أحدُهما قديماً والآخر محدثاً؛ لِماَ بينهما من التنافي.
  وبعد، فعندهم أنَّ اليهودَ قتلوا عيسى # وصلبوه؛ فكيف يصح دعوى إلهية من قتلته اليهود؟ وهل سرى القتل إلى الذاتين كما هو مقتضى الاتحاد، أم إلى
(١) أي: بين الأب والابن. (منه).