الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

حقيقة الحسن وحقيقة القبيح

صفحة 334 - الجزء 1

  قلت: ولا نسلم دخولهما في الحسن إلا إذا وقعا لغرض صحيح مقصود من الفاعل لهما، وإلا لحقا بالعبث، وهو من القبيح اتفاقاً، ولا يرد عليه لزوم أن يستحق العقاب عليهما إذا عَرِيَا عن ذلك الغرض؛ لأنه سيأتي اختلاف في حد القبيح على أقوال، أوفقها: هو ما إذا فعله القادر عليه استحق الذم، وذلك مسلم أن فاعل المباح والمكروه إذا فعلهما القادر عليهما على وجه العبث استحق الذم لكنه ذم دون الذم، على فعل المحرم وترك الواجب. والآخر أقوى من جهة المعنى المناسب للفظ الحسن، ولأنه يخرج منه الأفعال الحقيرة التي لا صفة لها زائدة على كونها فعلاً، كتحريك النائم يده، وانهيال الرمل، وتصدع الغبار من الأرض عند المشي، وأفعال المجانين والصبيان، فإنه لا معنى لوصف شيء من ذلك بأنه حسن. والملجي لأهل الحدين الأولين إرادة الحصر بين الحسن والقبح؛ لينطبق على هذه القاعدة حصر أفعال الله تعالى بين حسنٍ فيصح أن يفعله وقبيحٍ فلا يصح أن يفعله، وهذا المعنى هو ممكن بالنظر إلى الحد الثالث؛ فإنها تصير أفعال الله تعالى محصورة بين حسن يستحق به المدح وقبيح يستحق به الذم لو فعله، فيجب أن ينزه عنه؛ فيكون الثالث أولى من الحدين الأولين.

  وحقيقة القبيح: هو ما ليس للقادر عليه فعله. وقيل: ما يستحق في فعله العقاب. وقيل: هو ما إذا فعله القادر عليه استحق الذم. وهو الأصح كما مر، لكن يزاد فيه: على بعض الوجوه؛. ليخرج منه ما صدر من الصبيان والمجانين من الكذب وما فيه مضرة، فإنه لا ذم عليهم لسلب العقل، والفعل نفسه قبيح؛ لأنه يستحق عليه الذم في بعض الوجوه، وهو ما إذا صدر من المكلف غير الملجأ إليه. ويرد على الجميع من حدي الحسن والقبيح أنه إنما يستحق العقاب أو الذم أو نقيضهما، ويعرف جواز الفعل من عدمه بعد معرفة أنه حسن أو قبيح، فإذا علقتم معرفة الحسن والقبح على ما ذكرتم كان إذاً دوراً محضاً.