الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

حقيقة الحسن وحقيقة القبيح

صفحة 333 - الجزء 1

  المتعلقة بأفعال العباد حسناً ولا قبحاً - فهو غير عالم بعدل الله وحكمته، ولا يقال له عَدْلي؛ ولهذا ترى المجبرة على طبقاتها لا تلاحظ وصف الله تعالى بالعدل والحكمة، ولا تجدهم يطلقون على الله تعالى لفظة عدل حكيم إلا نادراً، وإن كان كل أحد منهم لو سئل عن صحة إطلاق هذين الاسمين الشريفين على الله تعالى لما وسعه إنكار ذلك، ولا تجد أحدهم يسمي نفسه أو أحد مشائخه أو موافقيه في خلق الأفعال عدلياً، ويكثرون اللهج من قولهم: نحن من أهل السنة والجماعة وأهل الحق.

  والدَّعَاوَى إن لم تُقِيْمُوا عليها ... بيناتٍ أَبْنَاؤُهَا أَدْعِيَاءُ

  وينبغي قبل التكلم على مسائل العدل أن نتكلم في ثلاثة أطراف:

  الأول: في حقيقة الحسن وحقيقة القبيح.

  الثاني: فيما يستقل العقل بإدراك حسنه أو قبحه.

  الثالث: في بيان الوجوه التي لأجلها يحسن الفعل أو يقبح؛ لأن جميع الباب بل وما بعده الخ الكتاب ينبني على ذلك.

حقيقة الحسن وحقيقة القبيح

  أما الطرف الأول: فحقيقة الحسن: هو ما للقادر عليه فعله. وقيل: هو ما لا عقاب عليه. وقيل: هو ما إذا فعله القادر عليه استحق المدح.

  وعلى الأولين فهو يشمل الواجب العقلي والشرعي والمندوب والمباح والمكروه، فإن الكل للقادر عليه أن يفعله، ولا عقاب عليه في فعله. وعلى الثالث لا يدخل إلا الواجب والمندوب. فالأولان أصح؛ نظراً إلى عرف أهل الفن من حصر الأفعال بين الحسن والقبيح ولا واسطة؛ فلزم إدخال المباح والمكروه في قسم الحسن؛ إذ لو لم يدخلا فيه لدخلا في قسم القبيح فيستحق الذم والعقاب عليهما، وذلك باطل اتفاقاً، لأنه يرفع حقيقتهما، ويلحقهما بالمحرم.