الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

في إدراك العقل حسن الشيء أو قبحه:

صفحة 337 - الجزء 1

  على حسب العلة والمعلول - كما تقول الفلاسفة - لما كان في ذلك كمال ولا حسن، كما هو شأن المؤثرات على سبيل الإيجاب.

  وأما الضرب الثاني: فلم يقع فيه اختلاف في حسنه، ولا يحكى في ذلك خلاف إلا عن البراهمة القائلين بنفي النبوات رأساً. وينظر إلى أي الاعتبارات الخمسة يرجع؟ فإذا نظرنا إلى أيها أقرب وأنسب لم نجد منها سوى الأول أيضاً، وهو أنه صفة كمال؛ لأن نقيضه - وهو إهمال الخلق - صفة نقص وإن علموا ما علموا من جهة العقل؛ فكثير من المصالح والمفاسد المتعلقة بأفعالهم وتروكاتهم لا تعلم إلا بالشرع، ولا مجال للعقل فيها، فتركهم مع القدرة والعلم بالعلاج إهمال قبيح؛ فمن ثمة وجبت النبوة لما فيها من الألطاف، وتوقف أداء الشكر عليها. ولا يرد هاهنا ما ورد في الذي قبله من لزوم صفة النقص المقتضية للقبح في الأزل فيحتاج إلى التأويل المذكور؛ لأن الإهمال المستلزم القبح إنما يتصور بعد وجود الخلق، ولا معنى له في الأزل، بخلاف الأول فالإشكال ناشئٌ عن عدم الخلق؛ فلزم النقص في الأزل؛ فاحتيج إلى التأويل المذكور.

  وأما الضرب الثالث: وهو ما يتعلق بالمعاد من الحشر والمجازاة بالثواب والعقاب والمدح والذم والتعظيم والإهانة - فلا خلاف أيضاً بين جميع المسلمين وكثير من الفرق الكفرية في حسنه ووقوعه، والخلاف في ذلك لبعض الملل الكفرية الجاهلية المكذبين بالدار الآخرة. وينظر إلى أي الاعتبارات الخمسة يرجع؟ فإذا نظرنا إلى أيها أقرب وأنسب لم نجد منها سوى الأول أيضاً، وهو: أنه صفة كمال؛ فيكون تركه صفة نقص، تعالى الله عن ذلك. وهو كالذي قبله في عدم لزوم النقص قبل إيجاده؛ لأن لزومه متفرع على المتفرع على وجود الخلق، وهو التكليف. وإنما أرجعنا الثلاثة الأضرب إلى الاعتبار الأول فقط لأنه لا معنى للثلاثة المتوسطة في حقه تعالى؛ لاستحالة الملاءمة والمنافرة والثواب والعقاب في حقه تعالى، ولأن الرابع - وهو الخامس مما مر ذكره - مبناه على نفي