في حسن الفعل أو قبحه:
  إطلاق عبارة الماتن - قدس الله روحه - بما لفظه: وقد عرفت بما تقدم أن كلام البغدادية إنما هو في مطلق الأفعال التي ليس لها جهة حسن ولا قبح ظاهرين كما مر، لأنهم لا يخالفون أن ابتداء الإحسان وصنائع المعروف حسنة بحكم(١) العقل من غير نظر إلى إذن الشرع وإباحته. انتهى كلامه، والمسك ختامة.
  ولعل الماتن # حذا في إطلاق العبارة عن البغدادية حذو القرشيِّ | في المنهاج والإمامِ المهدي # في القلائد؛ فإنهما أطلقا الحكاية عن البغدادية بالنظر إلى أصل الفعل من حيث هو؛ ولهذا ردَا عليهم بقولهما: قلنا: يقبح الفعل ويحسن والعين واحدة، كالسجود للصنم فإنه بذاته وعينه إذا فعل لله فهو حسن.
  قلت: وفي ذلك نظر؛ فإن السجود للصنم لم يصر للصنم إلا مع قصد فعله له، فالقصد حينئذ شطر أو شرط، ثم تقدير كونه لله تعالى لا يستقيم إلا مع قصد فعله لله تعالى، فمتى فعل لله بقصده المنافي لقصد فعله للصنم فما فعل لله غير ما فعل للصنم، سيما على أصلهما في إثبات الذوات في العدم. وإنما مثلا بهذا المثال لما حملا كلام البغداديين على ظاهر ما حكياه عنهم من الإطلاق، مع أنهم إلى الوفاق أقرب من البصرية في كثير من الأصول والمسائل على قواعد قدماء أئمتنا $ وشيعتهم الأعلام، ولله در ابن الإمام فلقد أدرك من المسألة سر الكلام.
  فهذا تحقيق أقوال العدلية بما لأجله يحسن الفعل أو يقبح، وأما تحقيق أقوال من خالفهم فقد وقع إطلاق الرواية من كثير من الأصحاب عنهم أن الأشعرية يقولون: إنما يقبح الفعل للنهي عنه، ويحسن لتعريه عن النهي. والجهمية: لكون الفاعل مربوباً مملوكاً. وهذا الإطلاق لا يخلو عن نظر وتسامح؛ لأنه قد حكى في الأساس موافقتهم على إدراك الحسن والقبح باعتبار الملاءمة والمنافرة، وباعتبار صفة الكمال وصفة النقص، وحكى عن بعضهم الموافقة فيما تعلق به المدح
(١) في المخطوطتين: «بحسن»، والصواب «بحكم» كما في شرح الأساس.