في حسن الفعل أو قبحه:
  الأشعرية بإدراك العقل له، وهو كون الفعل صفة كمال كالعلم والصدق، أو صفة نقص كالجهل والكذب، وقد ذكر الزركشي في شرحه لكتاب السبكي جمع الجوامع أن قوما توسطوا فقالوا: إن العقل يدرك استحقاق المدح والذم، وأما استحقاق الثواب والعقاب فمتوقف على الشرع قال: وهو الذي ذكره سعد بن علي الزنجاني من أصحابنا - يعني الشافعية - وأبو الخطاب من الحنابلة والمردي عن أبي حنيفة، قال: وهو المنصور؛ لقوته من حيث الفطرة وآيات القرآن المجيد. انتهى.
  وبهذا يعلم صحة ما قلناه من التنظير والتسامح في إطلاق الرواية والحكاية عن الأشعرية، وأنه ليس النزاع فيما قد أدرك العقل فيه جهة معينة لحكم الله في فعل المكلف بحسن أو قبح حسب الثلاثة الأمور المذكورة في كلام العضد وما ذكره عن الرازي، وأن النزاع ليس إلا فيما عداها، الأشعرية: الوقف، البغدادية: الحظر، أصحابنا: الإباحة.
  وحينئذ فينبغي تفريعُ المسألة المقصودة بالذات لدى فريقي العدلية والأشعرية ومن وافقهم - وهي خلق الله تعالى لفعل العبد كما تقول الأشعرية والجهمية، أو لا كما تقول العدلية - وتنزيلُها وتطبيقُها على ما قد علم من وجوه التحسين والتقبيح المتفق عليها والمختلف فيه مع إقامة دليله، ويتم المقصود بثلاثة مطالب:
  المطلب الأول: يكون الكلام فيه باعتبار ما قد اتفق عليه ممن وافقنا منهم، وهو أن يقال: إذا قد أدركت العقول حسن الشيء وقبحه باعتبار صفة الكمال وصفة النقص، وبالثلاثة التي ذكرها العضد - فقد ثبت التحسين والتقبيح في أفعال الله المتعلقة بأفعال المكلفين؛ لأن خَلْقَهُ الكفر والفسق وأنواع المعاصي في العبد، وذمه وعقابه عليها - صِفَةُ نقص وأي نقص، وخلقه القدرة الصالحة للإيمان مع الأمر به، وللكفر مع النهي عنه، والمدح والثواب على الإيمان، والذم والعقاب على الكفر -