في حسن الفعل أو قبحه:
  صفةُ كمال وأي كمال، هذا بالنظر إلى ما ذكره الرازي وسلمه من ثبوت التحسين والتقبيح، وأما باعتبار ما ذكره العضد وسلم أن العقل يدرك حسن الفعل وقبحه بتلك الثلاثة الاعتبارات: وهي كون الفعل يوافق الغرض أو يخالفه، وكونه مما أمر الشارع بالثناء على فاعله أو الذم، وكونه مما لا حرج في فعله أو فيه حرج - فكل من هذه الثلاثة يلزم معه قبح خلقِ الكفر في العبد وذمِّه وعقابهِ عليه؛ لأن ذلك يخالف الغرض ببعثه الرسل بالأوامر بالطاعات والنهي عن المعاصي، وورد الشرع بذم فاعل الكفر ونحوه، ولزمه الحرج وهو الذم والتشنيع على من أوجده. وعَدَمُ خلق الكفر والإيمان، مع خلق القدرة الصالحة لهما على سبيل البدل: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف ٢٩] - مُوَافِقٌ للغرض من إرسال الرسل بالتبشير والتحذير ومما ورد الشرع بمدح فاعله ولا حرج في فعله؛ فلَزِمَ وثَبَتَ وتَقَّرَرَ مما قد سلموا فيه ثبوت التحسين والتقبيح بُطْلَانُ القول بخلق أفعال العباد على كل الوجوه الأربعة التي قد سلموها، ثم لا يضرنا إنكارهم ما عداها.
  المطلب الثاني: يكون الكلام فيه باعتبار من أصر منهم على إنكار أن العقل يدرك حسن الشيء أو قبحه فيما يتعلق بأفعال الله تعالى المتعلقة بأفعال المكلفين، وهو أن يقال: لاشك أن للعدل مزية على الجور والظلم، وللصدق مزية على الكذب، وللفعل الواقع لغرض صحيح مزية على العبث الذي لا غرض في فعله البتة، ولشكر النعمة مزية على كفرها وجحدها، وهذا إن سلموه وافقوا قضية العقل، ولزمهم القول: بأن الله تعالى لا يخلق أفعال العباد مع أنها مشتملة على الكفر والظلم والجور والعبث والكذب والفجور، وأن الواجب بقضية العقل إنما هو التمكين من الفعل والترك، وتعليق المدح والثواب بفعل الطاعة، والذم والعقاب بفعل المعصية، وإن لم يسلموه خرجوا عن دائرة العقلاء؛ لأنهم قاطبة متفقون على ثبوت المزايا والفروق بين العدل والإنصاف والصدق والكذب وفعل الحكمة وشكر النعمة على أضدادها المذكورة، ألا ترى أن الصبيان والمجانين إنما خرجوا