الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

في حسن الفعل أو قبحه:

صفحة 348 - الجزء 1

  عن دائرة العقلاء لعدم إدراكهم لتلك المزايا والفروق بين تلك المذكورة وأمثالها، وهذا هو الحق كما ترى، وماذا بعد الحق إلا الضلال بلا امتراء.

  المطلب الثالث: يكون الكلام معهم الجميع بالنظر إلى ما أصلوه وفرعوه الجميع من خلق الأفعال على أن الله تعالى غير منهي عند الأشعرية، أو غير مربوب ولا مملوك عند غيرهم، وبالنظر إلى ما أصله العدلية وفرعوه من القول بعدم خلق الأفعال على أن الله تعالى لو خلقها فيهم ثم عذبهم وذمهم عليها ونهاهم عنها على أَلْسِنَة الرسل، أو أثابهم ومدحهم وأمرهم - لكان قبيحاً؛ فيجب أن ينزه عن ذلك. فإذا تأملت النتيجة المطلوبة لكل أحد من فريقي العدلية والجبرية وجدت النتيجة المطلوبة لأهل العدل لازمة الأصل الذي أصلوه وقرروه من التحسين والتقبيح، ووجدت النتيجة المطلوبة لأهل الجبر غير لازمة الأصل الذي أصلوه، مع كونهم لم يقرروه، بل نقضوه كما سترى؛ لأن غاية ذلك الأصل الذي أصله المجبرة صحة أن يخلق أفعال العباد وصحة الاً يخلقها؛ لأن كونه غير منهي ولا مملوك يستلزم صحة الأمرين ولا يستلزم ما ذهبوا إليه بعينه، بل على سبيل التخيير. ولا كذلك يلزم مما أصله أهل العدل، لأنه تناول ألاَّ يخلق أفعال العباد بعينه وخصوصه. وإنما قلنا: «إنهم لم يقرروه بل نقضوه» أما كونهم لم يقرروه فلأنهم لم يقيموا عليه دليلاً، وأما كونهم نقضوه فلأنهم لا يجعلون النهي علة مطردة، وإلا لزم قبح كل ما نهى عنه الكفرة والظلمة من الإيمان والعدل؛ لوجود العلة، وهي النهي، ومما نقضوه به أنهم قالوا: لا يصح من الله تعالى أن يظهر المعجز على يد من يدعي النبوة كاذباً مع أنه تعالى غير منهي، فتأمل تهافت كلامهم، وتدبر تناقض أفهامهم.

  وبعد، فيقال لهم: هل يصح من الله تعالى ويحسن أن يبعث رسلاً يدعون إلى تكذيب الرسل الذين دعوا إلى الإيمان به وبكتبه واليوم الآخر والجنة والنار أم لا؟ إن قالوا: بالأول فقد أحالوا وعطلوا، وخرجوا عن الدين، وجوزوا صدق قول الملحدين، وجمعوا بين النقيضين؛ للزوم صدق كل من الرسل، وإن قالوا: