الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن الله تعالى عدل حكيم

صفحة 355 - الجزء 1

  والكبرى هي قوله: (وكل من كان بهذه الصفة فإنه لا يفعل القبيح)، والنتيجة أن الله تعالى لا يفعل القبيح.

  قوله: «بهذه الصفة» أي: الأحوال الثلاثة المذكورة: من كونه تعالى عالما بقبح القبيح، غنيا عن فعله، وعالما باستغنائه عنه، فكل من اجتمع فيه هذه الأحوال الثلاثة فإنه لا يفعل القبيح، (ألا ترى أن من مَلِكَ ألفي ألف قنطار من الذهب فإنه لا يسرق الزائف)، وهذا منه # تمثيل وتقريب، وإلا فملك الله ø أوسع من أن يملك أحدنا ألفي ألف قنطار من الذهب. والقنطار وزنه فنعال، وقيل: لا وزن له في العربية، قاله شيخنا ¦، وهو ألف ومائتي أوقية، وقيل: أربعة آلاف، وقيل: غير ذلك. والزائف بالزاي المعجمة، وهو المطلي بالزئبق في الأصل، وأريد به هنا الدرهم الرديء، وإنما لم يسرقه (لعلمه بقبح السرقة، وغنائه عن أخذ الزائف) على وجه السرقة (وعلمه باستغنائه عنه) وهذا معلوم عند كل عاقل. (وكذلك لو قيل للعاقل) منا: (إن صدقت) أي: أخبرتنا بالصدق (أعطيناك درهما) واحداً، (وإن كذبت أعطيناك درهماً) واحداً (فإنه لا يختار الكذبَ في هذه الحال) أي: في حال استواء العطاء في حالتي الإخبار بالصدق والكذب، فإنه لا يختار الكذب (على الصدق)، بل لا يخبر إلا بالصدق (على وتيرةٍ) الوتيرة: مأخوذة من الوتر، وهو التتابع على صفة (واحدة)، فيكون خبره على سبيل الصدق مع استواء العطاء وتيرة واحدة لا تختلف (وطريقة مستمرة) لما كان العطاء مستوياً سواء أخبر بالصدق أو الكذب.

  ويفهم من كلامه # أن الكذب الذي فيه نفع قبحه شرعي فقط لا عقلي، وإنما المعلوم قبحه عقلاً هو ما لا نفع فيه، وفي ذلك خلاف بين المتكلمين، الأظهر أن قبح الجميع عقلي؛ لأن المضرة لازمة لما فيه نفع ولما لا نفع فيه، وهي استحقاق العقاب والذم، وإنما يرتفعان عنه خشية الضرر بذهاب النفس أو