الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

مسألة: الله سبحانه وتعالى لا يفعل القبيح وأفعاله كلها حسنة:

صفحة 354 - الجزء 1

  أحدها: أن يكون (جَهِل قُبْحَه) فإن جهل قبح القبيح مظنة فعله ولو قدرنا أنه غني عنه.

  وثانيها: قوله: (أَوْدَعَتْه حاجة إلى فِعْلِه) فإن من دعته حاجة إلى فعل القبيح كاد أن يفعله (وإن عَلِمَ قُبْحَه).

  وثالثها: أن يجهل استغناءه عنه، كمن ينسى ماله أو يظن عدم وفائه بحاجته فيتناول مال غيره،

  فهذه الثلاثة الأحوال لا يخرج فاعل القبيح عن أحدها، وقد تجتمع كلها أو اثنين منها (و) لا يصح تقدير شيء منها على الله تعالى البتة، بل (هو) سبحانه وتعالى متنزه عن كل واحد منها على أبلغ الوجوه:

  أما الأول: وهو تنزهه عن جهل القبيح فلأنه (عالم بقبح القبائح) جميعها (لأنها من جملة المعلومات) التي لا تخفى على عاقل، فكيف تخفى على من هو بكل شيء عليم؟ وإذا كانت القبائح من جملة المعلومات (وهو تعالى عالم بجميعها كما تقدم) في مسألة عالم أنه تعالى يعلم جميع المعلومات ولا يختص بمعلوم دون معلوم - ثبت أنه تعالى عالم بقبح القبيح ومتنزه عن الجهل به على أبلغ وجه، حيث لا يصح تقديره عليه تعالى بحال من الأحوال.

  وأما الثاني: وهو تنزيهه تعالى عن الحاجة فلأنه تعالى (غني عن فعلها) أي: القبائح، وذلك (كما تقدم أيضا) في مسألة غني أنه تعالى غني عن كل شيء، لا تصح عليه الحاجة إلى شيء من حسن أو قبيح.

  وأما الثالث: الذي ذكرناه في الشرح ولم يذكره # في اللَّف اختصاراً واستغناءً بذكره في النشر بقوله: (وعالم باستغنائه عنها) أي: عن أفعال القبائح؛ لأن كونه تعالى غنياً عن فعلها هو أيضا من جملة المعلومات، فيجب أن يعلم أنه تعالى غني عن فعل القبائح، وهذه الجملة المذكورة في حكم المقدمة الصغرى،