الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

بحث مفيد في أن الله تعالى لا يفعل الفساد ولا يريده من العباد:

صفحة 358 - الجزء 1

  ما وعد به أو توعد به الآخر، وكيف يصحح قول أو اعتقاد بلغ بصاحبه إلى ذلك المعتقد الخبيث، أم كيف يُرجح أصل أو اعتماد على هوس يسير إليه الكفر سيراً حثيثاً {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}⁣[النساء ٨٢] {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}⁣[محمد ٢٤] {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ ١٤٨}⁣[الأنعام]، وإذا كان هذا الاعتقاد الفري والمقال الكفري قد حكاه الله عن المشركين، وذمهم عليه هذا الذم الذي لا أبلغ منه، ووبخهم وأذاقهم البأس، ونفى عنهم العلم بصحته، وقصرهم فيه على الخرص واتباع الظن - فهل يصح لمسلم أن يتابعهم في هذا الاعتقاد، أم هل يصح لمؤمن بالله ورسوله أن يقول على قواعد علم العربية والمنطق في «لو» فيقول تقديراً للمحذوف اختصاراً، وانتصاراً وتتميماً لاستدلال المشركين: لكنه شاء منا الشرك فأشركنا، وشاء عبادتنا الأصنام فعبدناهم؟!

  وهذه المقدمة الاستثنائية هي عين مذهب المجبرة المدبرة، فهم على آثارهم يهرعون، ومن آجن ضلالهم يكرعون، ولما كانت الآية ونحوها آخذة من المجبرة بالمخنق، وكانت عقائدهم موافقة لعقيدة المشركين عن طبق تأولوها بتأويل ينبيء عن عقول سخيفة، وأهواء بطغيانها أليفة، فقالوا: إنما ذمهم الله وأذاقهم البأس وكذبهم لأنهم قالوا ذلك بظاهر ألسنتهم من دون أن يعتقدوا ذلك ويجزموا به ويدينوا لله بثبوته، فهو كما قاله المنافقون لرسول الله ÷: نشهد إنك لرسول الله، ورد عليهم {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}⁣[المنافقون ١] فالتكذيب راجع إلى كونهم لم يعتقدوا أنه رسول الله فيصح قولهم: نشهد، لا إلى اللفظ وهو قولهم: إنك لرسول الله؛ لأنه صدق في نفسه، فنزَّلوا هذه الآيات التي حكاها الله عن