الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 372 - الجزء 1

  يؤدي إلى هذا وجب القطع ببطلانه، وهذا واضح.

  دليل رابع إلزامي: لو كانت الأفعال من الله تعالى لكان الأمر بها أمراً⁣(⁣١) بما لا يطاق، والنهي عنها نهياً عما لا يطاق، وأكثر أهل الجبر لا يجوزه، وأكثر من جوزه يمنع وقوعه، فلم يبق إلا القول بأن ما أمر به أو نهى عنه هو فعل العبد ليمكن الحكم عليه بأنه مما يطاق.

  فهذه أربعة أدلة كل واحد منها قاض بأن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى.

  وقد أورد على الأول بأن الإنسان قد يحمد ويثاب على فعل غيره، كما يحمد الإنسان على فعل ولده، وكحمدكم الله تعالى على الإيمان مع اعتقادكم أنه فعلكم.

  وعلى الثاني: بأن فعل الساهي والنائم عندكم أنه فعلهما مع كونه غير واقف على قصده وإرادته.

  وعلى الثالث: بأن الله فعل الولد ولا يقال له والد، وكذلك الحلاوة والحموضة ونحوهما ولا يقال له حالٍ وحامض.

  وعلى الرابع: أن المأمور به مقدور للعبد، والمنهي عنه كذلك مقدور له، لأن له قدرة على كل واحد منهما وإن كانت موجبة له.

  وأجيب عن الأول: إنما حمد الأب وأثيب على فعل ولده لما له فيه من العناية وتعليمه وإرشاده إلى ما فعله الولد من الخير، ولأنه السبب في وجوده، وحمدنا الله تعالى على التوفيق والهداية وإرسال الرسل بالدعاء إلى الإيمان⁣(⁣٢).

  وعن الثاني: أن الساهي والنائم إنما يردان على العكس، وذلك لا يقدح في الدلالة، وإنما يقدح فيها ما يرد على الطرد؛ لأنا قلنا: كل ما توقف على الداعي


(١) في المخطوطتين بالرفع، والصواب النصب.

(٢) فالحمد على مقدمات الإيمان من الإقدار والتمكين والألطاف، وذلك من قبله تعالى.