الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 425 - الجزء 1

  الخصم، فلا يصح له التمسك بالإجماع لهذه المسألة وإن صح لنا، فتأمل.

  الوجه الخامس: أن آيات الكتاب العزيز كما قال الله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}⁣[آل عمران ٧]، فاقتضت الآية أن المتشابه لا يجوز اتباع ظاهره، بل يجب أن يُؤَوَّل على وجه يطابق المحكم إذا أرجع إليه، وقد جعل الله المحكم كالأم للمتشابه، أي: مرجعاً يُرد إليه، والمعلوم أن أهل الجبر إنما أخذوا ما ذهبوا إليه من أن أفعال العباد من الله لا منهم من المتشابه، وأنهم رفضوا المحكم وراء ظهورهم، وحرفوه عن مواضعه، كما في قوله تعالى: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}⁣[المؤمنون ٦٣]، فهذا محكم؛ إذ لا يعقل له معنى غير ظاهره، وهو أن الكفار المسوقة الآية في شأنهم لهم أعمال غير ما قد نعاه عليهم وقبحه منهم، وقال: {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}، فلو لم تكن من فعلهم لكذبت الآية، فرفضوا هذه الآية الصريحة في أن الأعمال هي لهم وأنهم لها عاملون، وأخذوا بالمتشابه وهو قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}⁣[الصافات ٩٦]، فجعلوا «ما» مصدرية، وجعلوا التقدير: والله خلقكم وعملكم، مع أن لفظة «ما» قد جاءت في لغة العرب لعشرة معانٍ يجمعها قوله:

  مَعَانٍ لِمَا عَشْرٌ أَتَتْ في كلامِهِم ... جميعاً فَخُذْهَا أَيُّهَا المُتَعَلِّم

  سَتَفْهَمُ شَرْطَ الوصلِ صِفْهَا وَصِفْ بِهَا ... بِكَفٍّ ونَفْي مَصْدَراً زِدْ لِتَفْهَم

  فحملهم لـ «ما» على أنها مصدرية من بين جميع المعاني المذكورة اتباعٌ للمتشابه؛ لأن حقيقته: ما احتمل معنيين فأكثر لم يعلم المراد منها إلا بدليل، أو يقال: المحكم ما اتضح معناه، والمتشابه بخلافه، وهو ما لم يتضح معناه، فالحد متحد. وكذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}⁣[البقرة ٢٠٥]، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}⁣[الزمر ٧]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَاد}⁣[غافر ٣١]، {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ